قضية فندق السعدي..مسار أطول محاكمة لتفويت أشهر كازينو بالمغرب

قضية فندق السعدي..مسار أطول محاكمة لتفويت أشهر كازينو بالمغرب

عبد الرحمان البصري

بعد مرور أكثر من 16 سنة على أول بحث تمهيدي في قضية “كازينو السعدي”، قضت محكمة النقض بالرباط، اليوم الأربعاء 18 دجنبر الجاري، برفض طلب الطعن بالنقض الذي تقدم به المتهمون في في هذا الملف الثقيل المتعلق بـ”الاختلالات المالية التي عرفتها بلدية المنارة ـ جليز” بمراكش، خلال ترؤس القيادي الاستقلالي، عبد اللطيف أبدوح، مجلسها بين 1997 و 2003، و التي صدر بشأنها تقرير عن المفتشية العامة للإدارة الترابية، أكد بأن “أكثر من 44 مليار سنتيم ضاعت في تفويت المجلس المذكور لأملاك جماعية لفائدة مؤسسات فندقية و خواص بأثمنة بخسة و في أجواء غابت فيها الشفافية”.

“البهجة24” تعيد تركيب مسار هذه القضية منذ الأبحاث التمهيدية وصولا إلى قرار محكمة النقض، مرورا  بالتحقيق الإعدادي و المحاكمتين الابتدائية و الاستئنافية.

تأجيلات متوالية

تأجلت المحاكمة 8 مرات متوالية، خلال المرحلة الاستئنافية، قبل الشروع في مناقشة الملف، فقد تغيّب المتهمون عن ثلاث جلسات متعاقبة، بمبرّر عدم توصلهم بالاستدعاءات، قبل أن يحضروا ويلتمسوا التأجيل لتمكينهم من انتداب محامين لمؤازرتهم.

واستمر التأخير حتى بعد حضور محامييهم، الذين طالبوا، في أكثر من جلسة، بمهل لإعداد الدفاع، ثم تأجلت المحاكمة، مجددا، من أجل استدعاء محامي بلدية مراكش، باعتبارها أحد المطالبين بالحق المدني.

لم تتأخر الجلسات بسبب غياب المتهمين، فقط ،بل بسبب غياب القضاة،أيضا، فقد تغيّب أحد القضاة الخمسة، المشكلين لهيئة الحكم، أربع مرات، حضر في إحداها للمحكمة و لكنه فضّل الالتحاق بهيئة أخرى تبت في ملفات أخرى بقاعة مجاورة، و في المرة الأخيرة وصل للمحكمة متأخرا و بقي ينتظر خارج قاعة الجلسات، فيما كان رئيس الغرفة يفاوض دفاع المتهمين من أجل الموافقة على اقتراح بتأجيل المحاكمة إلى الزوال لتمكينه من الالتحاق بهيئة الحكم.

كما تأجلت المحاكمة بسبب غياب رئيس الغرفة نفسها، القاضي حسن عقيلة، الذي استفاد من رخصة استثنائية، من شهرين، لأداء مناسك الحج، فلا يمكن استبدال القاضي المتغيب بآخر من خارج هيئة الحكم،لأن البت في الملف بحضور قاضٍ جديد يقتضي إعادة المناقشة إلى بدايتها، فكيف إذا تغيب رئيسها؟

و فيما كان مفترضا أن تحجز الغرفة الملف للمداولة و تنطق بأحكامها، في آخر جلسة 6 أبريل من سنة 2017، أدلى دفاع المتهم الأول، المستشار البرلماني عبد اللطيف أبدوح، بشهادة طبية لتبرير تغيبه عن هذه الجلسة، مثلما فعل خلال الجلسات الثلاث الأخيرة (جلسات 30 دجنبر 2014 و8 يناير و22 يناير 2015)  التي سبقت الحكم الابتدائي الذي أدانه بخمس سنوات نافذة، و هو ما اعتبره ممثل الحق العام في غرفة الجنايات الابتدائية، القاضي عبد العزيز الراشدي بلحاج، مجرد مبرر لإماطة أمد المحاكمة، في الوقت الذي كان فيه أبدوح يجري حوارات صحفية مطولة حول الملف نفسه.

تعهد دفاع المتهم الرئيس بألا يتخلف موكله عن الجلسات الاستئنافية القادمة. حضر أبدوح و حجزت المحكمة الملف للمداولة، خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 4 ماي من 2017، قبل أن تقضي بإخراجه من المداولة، خلال الجلسة نفسها، من أجل الاستماع إلى المشتكي و شاهد الإثبات الوحيد في الملف، قبل أن توافق، خلال جلسة أخرى، على ملتمس بالاستماع إلى ثلاثة شهود للنفي.

بدا السيناريو مماثلا لما حدث خلال المرحلة الابتدائية، فقد حجزت غرفة الجنايات الابتدائية الملف للمداولة،في جلسة 26 يونيو من 2014، قبل أن تصرّح بإجراء تحقيق تكميلي بواسطة رئيسها، القاضي مسعود مصلي، لاستجلاء الغموض العالق ببعض النقط الواقعية والتقنية، طبقا للفصل 362 من قانون المسطرة الجنائية، مع الاستعانة بخبير محلف، واستدعاء ثلاثة شهود، بينهم المشتكي و شاهد الإثبات.

انطلق التحقيق التكميلي، بتاريخ 16 يوليوز من السنة ذاتها، و امتد لأربع جلسات مغلقة انعقدت آخرها، في 12 نونبر من السنة نفسها، قبل أن تستأنف الغرفة جلساتها العلنية،ى التي بلغت في المجموع 18 جلسة،11 قبل إجراء التحقيق التكميلي، و 7 بعد انتهائه، قبل أن تقضي،مساء 19 فبراير 2015، ببراءة متهمين اثنين، و بإدانة التسعة الباقين بأحكام بلغ مجموع مددها 28 سنة سجنا نافذا.

مشتكٍ مثير للجدل

ما كادت تنتهي المداخلات الرسمية، خلال اللقاء الحاشد الذي نظمته حركة “لكل الديمقراطيين” بقصر المؤتمرات بمراكش، السبت 31 ماي 2008، ويُفتح الباب للنقاش، حتى أثار الجدل متدخل يرتدي جلبابا و يتحدث بنبرة حادة و بلكنة أمازيغية، يحمل معه حقيبة قال بأنها مليئة بوثائق تكشف عن خروقات تدبير الشأن المحلي بالمدينة،طالبا من مؤسس الحركة، فؤاد عالي الهمة، تسليمها للملك محمد السادس.

شهورا قليلة بعد ذلك سيتقدم المتدخل المثير للجدل، الذي لم يكن سوى لحسن أوراغ، المتقاعد من سلك القوات المساعدة و العضو السابق ببلدية “المنارة ـ جليز”، بشكاية إلى الوكيل العام للملك بمراكش، يتهم فيها أبدوح بـ”استصدر مقررات بتفويت عقارات جماعية لفائدة مؤسسات فندقية بأثمنة بخسة، و في أجواء غابت فيها الشفافية، وبالتلاعب في الرخص، والاستيلاء على العديد من البقع التي كانت مخصصة للمنفعة العامة”.

و أدلى بتسجيل صوتي منسوب إلى أبدوح و أغلبيته في المجلس و هم يتداولون في شأن اقتسام رشوة يُشتبه في أنه تسلمها من الشركة التي كانت تستغل الكازينو مقابل تصويتهم على مقرّر تفويته إليها بثمن لم يتجاوز 697 مليون سنتيم، فيما أكد تقرير للمفتشية العامة للإدارة الترابية، التابعة لوزارة الداخلية، بأن “التفويت كبّد البلدية خسارة وصلت إلى أكثر من 19 مليار  و300 مليون سنتيم”.

أما خلال المرحلة الابتدائية من المحاكمة، و بعدما واجهه محامو المتهمين بأنه كان هو نفسه من بين المصوتين على مقرر التفويت،من بين 27 مستشارا جماعيا،مدلين للمحكمة بنسخة من محضر دورة أكتوبر من سنة 2001،كما أنه كان من المصوتين،خلال دورة غشت من 2002، على تحويل مبلغ التفويت لفائدة القرض العقاري والسياحي من أجل سداد دين مترتب على البلدية،ردّ بأنه انسحب عند شروع المجلس في التصويت،ملمحا إلى إمكانية تزوير محضر الدورتين.

ولم تكن شهادته خلال التحقيق التكميلي، الذي أجرته غرفة الجنايات الابتدائية،أقل إثارة للجدل،فقد تراجع عن اتهاماته السابقة زاعما بأنه يعاني من “اضطرابات عقلية”، قبل أن يتوجه إلى شاهد ثانٍ بعبارة “عذبتينا الله يعذبك”،محملا إيّاه مسؤولية إخراج الملف إلى حيز الوجود.

و خلال المرحلة الاستئنافية خلق الإثارة مجددا حتى وإن لم تستمع إليه المحكمة هذه المرة،بعد أن تنازل كتابيا لأحد المتهمين عن متابعته،كما لو أن الأموال المبددة تعود لملكيته،وهو التنازل الذي أدلى به دفاع المتهم المذكور للغرفة.

ربيع مراكش

أنجزت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ثلاثة أبحاث تمهيدية في ملف كازينو السعدي،الأول بتاريخ 14 غشت من 2008،والثاني في 22 يوليوز من 2009،بعد شكاية أوراغ،وقد استُمع على إثرها لأبدوح،بتاريخ فاتح أكتوبر 2010،الذي عزا الشكايتين إلى صراعات سياسية.

لم يُتخذ أي إجراء في شأن البحثين القضائيين التمهيديين،حتى سنة 2011، لتأمر النيابة العامة بإجراء بحث تمهيدي جديد،بتاريخ 4 أبريل من السنة عينها،وتدخل هيئة حماية العام على الخط،و تتقدم بشكاية إلى الوكيل العام للملك،بواسطة المحامي عبد القادر القطيب،من هيئة مراكش،بتاريخ 5 يوليوز 2011،تحت عدد 983.

وبناءً على ملتمس للوكيل العام، بتاريخ 3 أبريل من 2012، موّجه إلى قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال، تم فتح تحقيق ضد 13 مشتبها فيهم، موضوعين تحت المراقبة القضائية، بينهم المتهمين الـ11 المتابعين في الملف بالإضافة إلى كل من المنعش العقاري، “ع.خ”،الذي التمست النيابة العامة إجراء تحقيق إعدادي في مواجهته للاشتباه في”استعماله محررا رسميا مزورا،المشاركة في تبديد أموال عامة،المشاركة في تلقي موظف عمومي لفائدة في عقد تولى الإشراف عليه،التوصل إلى تسلم رخصة إدارية لا حق له فيها عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة واستعمالها،استغلال النفوذ عن طريق السلطة لتحقيق مزايا مشتركة”، وزوجة أبدوح الأولى، “ح. و”، للاشتباه في “مشاركتها في تبديد أموال عامة، والتوصل إلى تسلم رخصة إدارية لا حق له فيها عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة واستعمالها،استغلال النفوذ عن طريق سلطة الزوج”.

و قد خلص قاضي التحقيق، يوسف الزيتوني، إلى أن التحقيق الإعدادي لم ينتج أدلة كافية على ارتكابهما للتهم المذكورة،آمرا بحفظ الملفين المتعلقين بهما بكتابة ضبط التحقيق إلى حين ظهور أدلة جديدة،وبإرجاع الكفالة التي كانا أودعاها بصندوق المحكمة من أجل التحقيق معهما في حالة سراح.

انتهى التحقيق الإعدادي،بتاريخ 14 ماي 2013،وأصدر الوكيل العام ملتمسه النهائي،في 5 يونيو من السنة نفسها،الرامي إلى اعتبار جميع التهم ثابتة في حق المتهمين،ملتمسا إحالتهم على غرفة الجنايات لمحاكمتهم،قبل أن يصدر قاضي التحقيق،شهرا بعد ذلك، الأمر بالإحالة على المحاكمة.

الشريط الصوتي

لعل أحد أكثر وسائل الإثبات إثارة للجدل القانوني في هذا الملف هو الشريط الصوتي المنسوب إلى أبدوح وبعض المتهمين،من أعضاء أغلبيته في المجلس البلدي، وهم يتداولون في شأن اقتسام رشوة يُشتبه في أنه تسلمها من الشركة التي كانت تستغل كازينو السعدي، مقابل تصويتهم على مقرّر التفويت،الذي تسبب في خسائر مالية تقدر بأكثر من 19 مليار سنتيم من المال العام.

وقد صرّح أبدوح خلال الاستماع إليه، في المرة الأولى،من طرف الوكيل العام بأنه يصعب عليه تحديد ما إذا كان الصوت المنسوب إليه في التسجيل الصوتي يتعلق به شخصيا.

وحين مواجهته بمضمون الشريط،اكتفى أبدوح بالرد بأنه لم يعد يتذكر بعض العبارات الواردة فيه والمنسوبة إليه من قبيل:”حين أضمن بأن الإخوة أعطوا موافقتهم المبدئية على بيع الفندق سأبحث مع المعني وغادي يعطيني شي بركة وسأقسمها بالتساوي على المصوتين وسأسلم لكل واحد منهم حقه (…)سأعطي لمن سيصوت فقط لأنني إذا أعطيت لمن حضر فمعنى ذلك أنني سأنقص للمصوتين”.

أما دفاعه فقد ظل يعتبر،طيلة أطوار المحاكمتين الابتدائية والاستئنافية،بأن الشريط لا يمكن أن يكون وسيلة إثبات على جريمة الرشوة،لأن المجلس الدستوري،في نظره، لا يعتد بالأقراص المدمجة في الإثبات.

“بَرَكة” بملياري سنتيم

“البركة” أو “الحاجة” التي وردت في الشريط الصوتي،دون الإشارة إلى قيمتها المالية،تولى المشتكي المثير للجدل،لحسن أوراغ، الكشف عن قيمتها الحقيقية،متحدثا،خلال إدلائه بشهادته أمام قاضي التحقيق،بأن الأعضاء الذين وعدهم أبدوح بـ”البركة” كانوا يتهامسون حول رشوة بملياري سنتيم،زاعمين بأن مليارا واحدا كان لفائدة أبدوح.

كما صرّح رئيس الفرع المحلي لهيئة حماية المال العام بمراكش، خلال الإدلاء بشهادته أمام قاضي التحقيق،بأن أبدوح وأغلبيته عمدوا إلى تفويت الكازينو،سنوات قليلة قبل انتهاء عقدة الكراء طويلة الأمد الموقعة بين باشوية مراكش والشركة المستغلة،بمبلغ وصل إلى حوالي 830 مليون سنتيم،بسعر لم يتجاوز 600 درهم للمتر المربع،مذكّرا بالاتهامات التي وجهها المستشار الجماعي أوراغ لأبدوح ومن معه بتلقي رشوة بملياري سنتيم.

النيابة العامة تطالب بمضاعفة العقوبة

لم تصل المواجهة بين النيابة العامة ودفاع المتهمين،خلال المرحلة الاستئنافية،إلى الحدة التي وصلت إليها مع ممثل الحق العام،خلال المحاكمة الابتدائية،القاضي عبد العزيز الراشدي بلحاج،ولكن مطالبهما تشابهت،خلال المرحلتين.

جدّد نائب الوكيل العام، خلال المحاكمة الاستئنافية، المطالبة برفع العقوبة ضد أبدوح إلى عشر سنوات نافذة، وإلى سبع سنوات نافذة بالنسبة لباقي المتهمين،كما طالب بمصادرة ممتلكات المتهمين التي كانت موضوع رشاوى،وبتجريدهم من حقوقهم السياسية،أي منعهم من أن يكونوا ناخبين أو منتخبين،مع التشديد على أن يتضمن منطوق الحكم الاستئنافي أمرا باعتقالهم حالا خلال جلسة صدوره،مستندا إلى المادة 431 من قانون المسطرة الجنائية،التي تنص على أنه “يمكن لغرفة الجنايات،في حالة الحكم بعقوبة جنائية سالبة للحرية،أن تأمر بإلقاء القبض حالا على المحكوم عليه الذي حضر حرّا إلى الجلسة.وينفذ الأمر الصادر ضده رغم كل طعن”.

نائب الوكيل العام أكد بأن جميع وسائل الإثبات تدين المتهمين،معتبرا بأن تذرع المتهم الأول بأن تفويت الكازينو كان بطلب من سلطة الوصاية،وأن دوره كان يقتصر على تنفيذ مقررات المجلس البلدي،(اعتبره) مبررا واهيا لا يعفيه من المسؤولية الجنائية،موضحا بأن القرار النهائي يرجع للمجلس،الذي قال بأنه لو لم يصادق على المقرر لما كانت وزارة الداخلية أشّرت على التفويت،مضيفا بأن المجلس سيّدُ نفسه و كان بإمكانه رفض السعر المقترح من لجنة التقويم لهذه العقارات،أو يرفض التفويت من الأصل،أو أن ينتظر أربع سنوات حتى تنتهي مدة العقد المبرم مع الشركة المستغلة للكازينو،الذي كان سينتهي في سنة 2005 ليعود الحق للبلدية في استغلاله مجددا،بدل تفويته إلى جانب عقارات أخرى تقع في أرقى أحياء المدينة،لفائدة خمس مؤسسات فندقية بمبلغ ظل ثابتا في جميع العمليات، ولم يتجاوز 600 درهم للمتر المربع،في الوقت الذي أكد فيه تقرير للمفتشية العامة للإدارة الترابية،التابعة لوزارة الداخلية، بأن سعر التفويت لا يمكن أن يقل عن مليوني سنتيم للمتر المربع،وهو التقرير إلى أنه كبّد البلدية خسائر قدرها  في أكثر من 44 مليار سنتيم.

فقد حدد التقرير الخسائر في تفويت “الكازينو” في أكثر من 19 مليار و300 مليون سنتيم،وفي فندق “الأدارسة” في  أكثر من 14 مليار و900 مليون سنتيم  ،و3 مليار 783 مليون سنتيم في تفويت عقار آخر لفائدة فندق “السياحة”،بينما وصلت الخسائر إلى أكثر من 3 مليار و790 مليون سنتيم في تفويت عقار لفندق “فرح سفير”،وأكثر من مليارين و300 مليون سنتيم في تفويت عقار لفندق “توبقال”.