“البهجة24” تكشف تفاصيل مثيرة حول اختلاس 188 مليون سنتيم من مستشفى ابن جرير (الجزء الخامس)
عبد الرحمان البصري
بعد توالي الاتهامات بالإهمال الطبي، فضيحة مالية هزّت، هذه المرة، المستشفى الإقليمي بابن جرير، وتتعلق باختلاس أكثر من 188 مليون سنتيم من وكالة المداخيل. القضية حُكم فيها على متهم وحيد، وهو ممرض كان مكلفا بجباية المداخيل (نائب شسيع المداخيل)، بـ 3 سنوات سجنا، بينها سنتان سجنا نافذا، بعدما أدين بجنايتي “اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته”.
“البهجة24” تعيد تركيب قصة هذه القضية في 5 أجزاء مستندة إلى المعطيات المثيرة التي كشفت عنها الأبحاث الأمنية المنجزة من طرف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، والتحقيق الإعدادي الذي أجراه قاضي التحقيق بالغرفة المكلفة بجرائم الأموال، وأطوار المحاكمة أمام غرفتي الجنايات باستئنافية المدينة نفسها.
في هذا الجزء الخامس والأخير تكشف “البهجة24” وقائع جلسة المحاكمة الاستئنافية، التي انتهت بإصدار قرار بتأييد الحكم الابتدائي في جميع مقتضياته.
المتهم: لماذا لم يتم التحقيق مع باقي الموظفين؟
بعد استئناف الحكم الابتدائي من طرف كل من المتهم ونائب المطالبين بالحق المدني والنيابة العامة، أحيلت القضية غرفة الجنايات الاستئنافية لجرائم المال العام، و لم تستغرق المحاكمة الاستئنافية بدورها سوى جلسة واحدة، التأمت بتاريخ 9 غشت 2021، حضرها المتهم في حالة اعتقال، وصرّح خلالها بأنه كان مجرد مساعد في وكالة المداخيل إلى جانب سبعة موظفين آخرين يعملون بالتناوب، مضيفا بأنه كان يتغيّب عن العمل بسبب مرضه، وتساءل عن سبب عدم التحقيق مع باقي الموظفين بالمستشفى؟
وعاد وعزا مجددا إيداع مبالغ المداخيل في حسابه البنكي إلى عدم توفر المصلحة على خَزنة حديدية، مصرّحا بأنه سبق وأن أدلى للموظفة المحاسبة بالمصلحة برقم حسابه البنكي الذي كانت تودَع فيه المبالغ، معتبرا بأن وجود وصولات التحويل والسجل دليلا على أن سلّم المحاسبة المبالغ التي كانت مودعة في حسابه البنكي.
و في معرض إجابته عن أسئلة نائب المطالب بالحق المدني، أوضح بأنه لم يعد يتذكر المبالغ المحولة إلى حسابه، وبأن المحاسبة تتوفر على سجل يتضمن كل العمليات، مضيفا بأنه لم يكن يتصرف في المبالغ، التي قال إنها كانت تظل مودعة بحسابه من 15 يوما إلى شهر.
محامي الدولة: المتهم اختلس أكثر من 180 مليون وأخفى الوصولات عن اللجنة
من جهته، فجّر المحامي الذي ينوب عن الدولة المغربية مفاجأة من عيار ثقيل، فقد أكد بأن التقرير الأول كان مؤقتا، مدليا للمحكمة بالتقرير الثاني، المؤرخ في 14 يوليوز 2021، و الذي حدد المبلغ المختلس في 1.880.833.339 درهما (أكثر من 188 مليون سنتيم).
وبعد عرضه لموجز الوقائع اعتبر بأن المتهم اختلس مبالغ ضخمة من أموال الدولة، لافتا إلى أن لجنة التفتيش صُدمت من هول ما قام به، ومضيفا بأن المتهم أخفى دفتر الوصولات ولم يقدمه للجنة، ملتمسا في الدعوى العمومية بالحكم وفق ملتمسات النيابة العامة، وفي الدعوى المدنية الحكم بإرجاع المبلغ المذكور وتعويض لا يقل عن مائة ألف درهم.
وفيما التمس ممثل النيابة العامة تأكيد الحكم الابتدائي، اعتبر دفاع المتهم بأنه لا وجود لأي قرار بتكليف مؤازره الممرض بمهمة معاون في شساعة المداخيل، مذكّرا بأنه يعاني من أمراض مزمنة ولا خبرة له في المحاسبة، ومشيرا إلى أن الاختلاسات المسجلة قديمة ولا علاقة للمتهم بها، ملتمسا الحكم ببراءته وبعدم الاختصاص للبت في الدعوى المدنية، واحتياطيا إجراء خبرة حسابية للوقوف على الحقيقة، مع تمتيع المتهم بظروف التخفيف.
وبعدما كان المتهم آخر من تناول الكلمة، أعلن رئيس الغرفة عن إغلاق باب المناقشة وحجز القضية للمداولة لآخر الجلسة، لتنسحب الهيئة بكامل أعضائها إلى قاعة المداولة بعدما غادرها كل من ممثل النيابة العامة، القاضي يوسف المتحف، وكاتب الضبط، محماد الأنصاري، قبل أن تعود هيئة الحكم، المكونة من حسن عقيلة رئيسا ومن المستشارين أحمد بابا و عبد الحكيم ناضر وعبد الرحمان المعطاوي وعبد الحليم العسري، وتصدر القرار الجنائي رقم 1235، القاضي بتأييد القرار المستأنف في جميع مقتضياته.
القرار الاستئنافي: تبريرات المتهم وسيلة خائبة لدفع المسؤولية الجنائية عنه
عللت المحكمة قرارها استئنافيا بأن تبريرات المتهم “ما هي إلا وسيلة خائبة لدفع المسؤولية الجنائية عنه”، مؤكدة بأنه “تجري على الشخص المعتبر محاسبا بحكم الواقع نفس الالتزامات والمراقبات الجارية على محاسب عمومي ويتحمل نفس المسؤوليات”.
وتابعت بأنه، وبعد إطلاعها على مختلف وثائق الملف وعلى ظروف القضية وملابساتها ومناقشتها، اقتنعت من خلال الأدلة المذكورة بأن القرار الابتدائي صادف الصواب في ما قضى به من إدانة وأبرز موجباتها وأسبابها الواقعية والقانونية والعناصر التكوينية للأفعال الجرمية وتعين تأييده.
وفيما استقرت مداولات المحكمة على أحقية المتهم في ظروف التخفيف اعتبارا لظروفه الاجتماعية، ارتأت تأييد القرار الابتدائي من حيث العقاب “نظرا لدرجة خطورة الأفعال الجرمية المرتكبة من طرف المتهم ودرجة إجرامه”.
أما في الدعوى المدنية التابعة، فقد اعتبرت بأن المبالغ المالية الإضافية التي تقدم بها نائب المطالبين بالحق المدني خلال المرحلة الاستئنافية ملتمسا الحكم على المتهم بإرجاعها، (اعتبرتها) ليست موضوع تحقيق واتهام، وتم تقديمها بعد صدور القرار الابتدائي.