التجليات الروحانية في تجربة التشكيلي نور الدين قدويمي

التجليات الروحانية في تجربة التشكيلي نور الدين قدويمي

محمد تكناوي

عندما تلقيت الدعوة لحضور فعالية معرض تشكيلي، الخميس 5 دجنبر 2025، موسوم بعنوان: حروف اختزلت مسار الحياة: “الميم، الحاء، والدال”، صنعت هذه الحروف التي ترمز إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ذهني سيناريوهات لعالم  نوراني الألوان، عالم روحاني جسّد جماليات الكون المادي في كينونة تشكيلية خلاّبة.

أخذني  الفنان التشكيلي المراكشي نور الدين القدويمي إلى عوالم تمازجت فيه المشاعر والأفكار، في تجربة بصريّة تأملية تستكشف أبعاد الوجود الإنساني، وتعيد للمشاهد حقه في التأمل، في الصمت وفي العودة إلى ذاته، تقوم على التعبير بأقل الوسائل “باللونين الأبيض والأسود”، في دعوةٍ للتحرر من الزخرفة اللونية والاصطناع.

هي بالفعل تجربة عكست مهارة غير مسبوقة في ترويض الحرف وإقحامه في مقامات لونية تشكيلية ناضجة ومعتقة المزاج، مارس من خلالها التشكيلي نور الدين قدويمي رقصات روحانية وجسدية جسدها وتجاسد وتفاعل معها برسالة بسيطة لكنها عميقة، مفادها أن الجمال الحقيقي لا يرى بالعين بل يشعر بالروح، وبإيحاءات الزهد والتصوف في التشكيل، وخلق جسور بين الإيمان العميق بعظمة الله، وتفرد تراث الثقافة الإسلامية بكل تجلياتها.

إبداعية لوحات نور الدين المراكشي تتشابك فيها المعاني لإيصال رسالة عن تطور الإنسان،  عبر محطات حياتية ثابتة ومتحركة ومعقدة، هي دليل على عظمة الخالق وعلى السنن الإلهية وما سخره الله للإنسان للتأمل والتبصر.

وما إن وقفت في بهو قصر الباهية، مساء  ليلة الأروقة، بهذا المكان الرمزي و الصرح الذي يجسد الانفتاح الفكري والثقافي في قلب أبرز المعالم الأثرية في مراكش وفي المغرب، أيقنت أن هذا المعرض يتحد فيه الدين بالفن والعقل بالحس، و يتوحّد القدسي مع الفني.

سادت لوحاته وكسا الأبيض والأسود المكان، تراصت اللوحات يمينا وشمالا في زوايا وغرف قصر الباهية تحمل في ألوانها تفاصيل الحياة بكل ما فيها، وفي التفاف رشيق منتظم برموز روحانية حلقت بروحي فأحببت المكان.

أيقنت أن جمال الروح كان في حضور وبهجة المشاركين والزوار، وأن المعرض كما قال الفنان نور الدين القدويمي “ليس مكانا لعرض اللوحات بل فرصة لسماع ما يهمس به اللونان الأبيض والأسود في إبداع تشكيلي فريد يربط بين الإيمان والفن عبر الحروف واستدلالاتها”.