الفاعلة السياحية إيمان رميلي: مراكش مهمَلة وفي الحضيض..والعمدة ترد: البهجة مُلهِمة ولا تحتاج رسائل تيئيس

الفاعلة السياحية إيمان رميلي: مراكش مهمَلة وفي الحضيض..والعمدة ترد: البهجة مُلهِمة ولا تحتاج رسائل تيئيس

هي أكثر من رسالة مفتوحة لفاعلة سياحية، هي كما وصفتها كاتبتها، إيمان رميلي، “صرخة حزن وغضب”، ولكن متتبعي الشأن المحلي بمراكش يتساءلون: هل هي إيذان ببداية سباق انتخابي مبكر بين قطبي الأغلبية الحكومية، “البام” و”الأحرار”، للفوز بعمودية مدينة البهجة؟

كيف تحولت رسالة باللغة الفرنسية لرئيسة الفيدرالية الوطنية لأرباب المطاعم السياحية على صفحتها بالفايسبوك، بعد زوال أول أمس الجمعة 11 يوليوز الجاري، إلى حديث الساعة السياسية بمراكش؟

هل كان الرد السريع والحاد للعمدة فاطمة الزهراء المنصوري على التدوينة استشعارا بحجم الخطورة التي تشكلها مرشحة محتملة جدية للمنصب الذي تشغله “بنت الباشا” ويثير الكثير من الجدل السياسي خلال الفترة الانتدابية الحالية؟

“مراكش المهمَلة”

صورة قاتمة رسمتها إيمان الرميلي، العضو بالمجلس الجهوي للسياحة، للوضع بعاصمة السياحة الأولى في المملكة الشريفة وإفريقيا. “لا شيء يتغير على أرض الواقع. البنية التحتية متهالكة تماما. الشوارع محفورة وقذرة، وخطيرة أحيانا. لم يعد بالإمكان الجولان فيها دون الخوف من الوقوع في حفرة أو التعرض لحادث” تقول ابنة المستثمر السياحي الراحل إبراهيم الرميلي، الذي توفي قبل حوالي خمس سنوات متأثرا بإصابته بفيروس كوفيد-19.

وتابعت قائلة: “لا شيء يتم التفكير فيه من أجل الأسر المراكشية. لا توجد مناطق لعب مناسبة، ولا أي مساحات خضراء ترحب بالزوار. في السابق كان المغاربة يأتون إلى مراكش لتجديد طاقتهم، ليمنحوا أطفالهم لحظات من الترفيه وكسر الروتين. أما اليوم، فقد أصبحوا يتوجهون إلى الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة بحثا عن بصيص من جودة الحياة المفتقدة هنا”.

“التنديد بالتجاوزات ليس خيانة”

وكأن رميلي، الأم لطفلين، كانت تتحدى مسبقا أي ردود حادة محتملة على تدوينتها: “لدي هذا الإحساس الغريب بأنني رأيت هذا من قبل. وكأنني أكتب هذه الرسالة كل سنة. ومع كل مرة، تكون ردود الفعل هي نفسها: إعجابات، مشاركات، وتعليقات غاضبة…وبعد ذلك لا شيء. الصمت، النسيان. ويستمر الوضع في التدهور. وما إن نظن أننا وصلنا إلى الحضيض، حتى نكتشف ما هو أسوأ. ما هو أكثر فراغا، ما هو أكثر ظلما”.

وأضافت: “عندما نجرؤ على التعبير عن أنفسنا، يطلب من أن نصمت ويقولون: سوف تتسببون في هروب السياح. وكأن حبنا لمدينتنا جريمة. وكأن التنديد بالتجاوزات خيانة.الخوف بات ينتشر أكثر فأكثر. الخوف من الانتقام، الخوف من الوصم، الخوف من أن تكمم أصواتنا. ولكن هل يجب علينا حقا التزام الصمت بينما مدينتنا تنهار؟ هل يجب أن نغض الطرف بينما يفقد سكانها الأمل؟ كلا لقد طفح الكيل”.

“مراكش لا تحتاج إلى بهرجة”

ولمواجهة هكذا أوضاع، تقترح رميلي “إيصال الصوت إلى أعلى مستويات القرار، واختراق قشرة الخطابات المنمقة والزيارات المنسقة بعناية”، مستلهمة شعار حزب الأحرار: “مراكش تستحق الأفضل”، وخالصة إلى أن المدينة “لا تحتاج إلى البهرحة، إنما بحاجة إلى قرارات ورؤية واضحة”.

عمدة مثالية؟

استهلت رميلي تدوينتها بنفي أي خلفية سياسية لرسالتها، التي قالت إن “لا لون ولا رائحة ولا طعما سياسيا لها”، بل قطعت الشك باليقين: “السياسة كما تمارس اليوم أنأى بنفسي عنها، ولا تثير اهتمامي مطلقا”.

رغم كل تلك التوضيحات، تبدو المستثمرة الحسناء مرشحة مثالية لمنصب عمدة مراكش لدى العديد من القياديين بحزب عائلتها. فهي تتقن لغتين أجنبيتين على الأقل، فقد تابعت دراستها بثانوية “فيكتور هوجو” الشهيرة بمراكش، وحصلت على ماجستير من المعهد الأوروبي العالي للتسيير بباريس، وتابعت دراسات القيادة في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.

وهي سليلة عائلة سياسية مراكشية عريقة، فقد فاز والدها بالمقعد البرلماني لأكثر من فترتين تشريعيتين، وكان عضوا بغرفة التجارة والصناعة والخدمات، وتشغل شقيقتها، مريم، حاليا عضوية مجلس النواب عن اللائحة النسائية البرلمانية لحزب التجمع الوطني للأحرار.

ولا تقلّ عائلة رميلي علما عن آل المنصوري، فزوجة الراحل رميلي هي الطبيبة المعروفة بمراكش، لطيفة بولمان.

أكثر من ذلك، إيمان رميلي مستثمرة ممارسة، فقد ورثت عن أبيها تسيير سلسلة من المطاعم الراقية بمراكش، أبرزها مطعم “السلام” LA PAIX، الذي كان ناديا للجنود الأمريكيين خلال الأربعينيات، وتنشط، حاليا، بالجمعيات المهنية التي كان والدها أحد مؤسسيها: فيدرالية أرباب المطاعم السياحية، وفيدرالية ممولي الحفلات…

 “حسابات سياسية”

لم يتأخر رد العمدة الوزيرة طويلا، فقد عممت مصالح الجماعة رسالة/بلاغا ردا على رميلي دون أن تسميها، مكتفية بالإشارة إليها بـ”صاحبة رسالة مراكش المدينة المهملة”.

اعتبرت فيها بأنه كان حريّا برميلي، قبل نشر رسالتها، وبعيدا عن الحسابات السياسية والانتخابوية، أن تقوم بجولة ميدانية حقيقية في مراكش لتطلع عن قرب على “الحصيلة الواقعية لثلاث سنوات من العمل الجماعي، حصيلة منجزات موثقة بالأرقام وبالصور والمعطيات”.

اقترحت عليها جولة في أهم شوارع المدينة؛ وأن تمرّ بـساحة جامع الفنا والمدينة القديمة، وتطلع على المكتبة البلدية، وورش المسرح الملكي، وفضاء قطب المواطن، ونزاهة مولاي الحسن، والغابة الرياضية، وتتابع المجهودات المبذولة لتهيئة الحي الصناعي، وإحداث نفقين تحت أرضيين بسيدي غانم والمسيرة، وموقفين للسيارات من الطراز العالي بالحارثي وعرصة المعاش، ومشروع تجديد الأثاث الحضري وتأهيل حي جليز، وتهيئة شارعي مولاي عبد الله وعلال الفاسي.

وقالت إنها كانت تتمنى أن تتوقف عند الفرق الكبير والإيجابي بين مراكش قبل صيف 2021 ومراكش حاليا، خصوصا في المساحات الخضراء التي تطور شكلها وتحسنت طريقة صيانتها، وأصبحت تسقى بالمياه العادمة المعالجة في إطار مشروع بيئي رائد ومسؤول.

ودعتها إلى زيارة ملاعب القرب المنتشرة بمختلف أحياء المدينة، وأن تمرّ بالمركّبات المتعددة الاختصاصات والمنتزهات الرياضية، والمسابح الصيفية والأخرى المغطاة المتواجدة بتراب المقاطعات الخمس، وأن تتوقف عند حديقة تاركة، وتلاحظ أماكن خروج العائلات وهي تستمع بفضاءات عمومية نظيفة ونقية، وإلى الإطلاع على المشاريع البيئية بالمدينة.

“مراكش مُلهمة ولا لرسائل التيئيس”

قالت المنصوري إنها كانت تتمنى أن تكون رسالة رميلي داعمة للسياحة، وأن تشيد بالجهات الأمنية، وأن توجه رسائل أمل وتحفيز لشباب المدينة، لا رسائل تيئيس.

وتابعت بأن الحياد والموضوعية يفرضان الاعتراف بالإنجاز كما الإشارة للنقائص، مشددة على أن مراكش مدينة ملهمة ومبدعة، ولا يمكن لها أن تكون مهملة.

وذكرت بالرقم القياسي التاريخي الذي حققته السياحة بمراكش العام الماضي، معتبرة بأنه لو كانت مدينة مهملة لما استطاعت تحقيق هذه النتائج الجيدة، ولما تم تتويجها وتصنيفها في المراتب الأولى على قائمة الوجهات السياحية العالمية، وفي إفريقيا والشرق الأوسط لسنتي 2023 و2024.