مسرحية “أنا اعتزلت الغرام” تخطف الأضواء على خشبة ميدان بمراكش

مسرحية “أنا اعتزلت الغرام” تخطف الأضواء على خشبة ميدان بمراكش

محمد تكناوي

أحيت فرقة  ورشة ” الأمهات الموهوبات “، مساء أول أمس 29 ماي الجاري،  عملا مسرحيا  بعنوان ” أنا اعتزلت الغرام ”  أو “مطلقة و دايرة البرفان” بمسرح “ميدان” بمراكش،  تحت إشراف مؤسسة “دار بلارج لرعاية الثقافة والتراث المغربي”، وهو عمل فني بقالب اجتماعي درامي كوميدي، من تأليف نظيرة المنتكي بناءً على لقاءات و ورشات مع مجموعة من النساء المطلقات، وإخراج  الفنان سعيد شكور.

العرض، منذ اللحظة الأولى، يأخذك إلى مضامين  اجتماعية إنسانية و قانونية، عبر استخدام تشكيلات ضوئية و مجسمات  بأشكال آلات القانون الموسيقية ورموز أخرى من الحقل الدلالي نفسه، لتعزيز الشعور بأن  العرض يخص المرأة في وضعية معينة بغض النظر عن بيئتها وإطارها الاجتماعي والمعرفي.

وعلى مدى أكثر من  ساعتين، شدت الممثلة القديرة  نظيرة المسكي و مجموعة الأمهات، أنظار الجمهور الكثيف الذي ملأ  كل جنبات الخشبة الجميلة، وهي تتقمص دور امرأة مطلقة عبر الغوص في تفاصيل حياتها التي كانت مأساوية ومضحكة أحيانا أخرى.

امرأة مطلقة محاصرة بعيون محدّقة بها من كل حدب وصوب باعتبارها بضاعة مستعملة وفريسة سهلة يمكن أن يمارس عليها كل أنواع وأشكال العنف الرمزي والتحرش الجنسي.

هذا الترصّد المُنْهِك للمرأة لا يتوانى عن الغمز واللمز، وتجريمها بقالب كوميدي ساخر، يعرّج على التفاصيل المؤلمة، التي تجرد المرأة من الأخلاقيات بل حتى من إنسانيتها.

و ضمن مزايا العرض، إلى جانب التمثيل الجيد والتناغم بين  بطلة العرض والمجموعة ، الانتصار للصورة عبر سينوغرافيا معدة بإحكام، وإخراج جيد في إدارة فضاء العرض وما يتصل بها من حركة وحوار وغناء ، إلى جانب استعارة تقنيات جمالية ذات طاقة تعبيرية مكثفة، وما تضفيه على رمزية العرض من دلالات موغلة في السخرية.

الثراء السينوغرافي للمسرحية لعب، أيضا، دورا مهمّا في الشحنات الدلالية للنص غير المنطوق، على صعيد الإضاءة أو أزياء البطلة أو الديكور أو الإكسسوارات التي اعتمدت مجسمات مختلفة لالات القانون والموسيقى ،  بالإضافة إلى المنولوجات وأحيانا حوارات قصيرة، والأغاني التراثية والشعبية، علاوة على تنوع مستويات النص بين الدارجة المغربية، وأحيانا الفرنسية والعربية الفصحى.

وقد اتضح جليا من خلال تفاعل الجمهور تأثره الواضح  بمجريات المسرحية، ومعايشته لأجواء وقضايا في عمق أزمة المرأة  المطلقة ووضعها الاجتماعي، إلى جانب استناده لحالة من السخرية،  وقد تمكن الإخراج الجيد، أيضا، من توظيف المؤثرات  لشحن معاناة البطلة عاطفيا وتعميق أثرها النفسي لدى الجمهور .

ختاما، قدم  عرض ” أنا اعتزلت الغرام ” صورة فنية جذابة، تنبذ تجريد المرأة المطلقة من إنسانيتها وأدميتها في قالب درامي كوميدي، وتنتصر للإنسانية وقيم العدالة، وتدعو إلى مساحة عاقلة لرؤية واقع المرأة، خاصة المطلقة، وتخليصه من رواسب  التمثلات وأدران الأعراف المشوهة.

وعلى هامش العرض المسرحي، اعتبرت مها المادي، مديرة مؤسسة دار بلارج، أن اسم “الأمهات الموهوبات” لم يكن اعتباطيا، بل جاء نظرا لأن كل أم موهوبة بالفطرة، حيث الأم هي المنبع، والثقافة، والوطن، فالخالة والعمة والجدة كلهن أمهات موهوبات، فقط هنّ بحاجة لمن يمنحهن فسحة أمل لإبراز مواهبهن.