هكذا واجه محمد السادس أعنف كارثة في عهده..كواليس أطول يوم للملك بعد زلزال الحوز

هكذا واجه محمد السادس أعنف كارثة في عهده..كواليس أطول يوم للملك بعد زلزال الحوز

 دقائق قليلة بعد وقوعه، سيصل خبر الزلزال إلى الملك محمد السادس. على وجه السرعة، سيأخذ زمام الأمور بيديه، ليقود خلية أزمة دبّرت أعنف كارثة طبيعية ضربت المغرب في عهده.

  “كان الملك هادئا للغاية”، و “قلّل إلى الحد الأدنى من التدخلات الخارجية، مما يفسر عدم تمكّن العديد من القادة الأجانب من الاتصال به” بعد الزلزال.

  هذه كواليس أطول يوم للملك بعد زلزال الحوز المدمر.

 

“البهجة24” ترجمت مقالا للصحفي باسكال إيرولت Pascal Airrault نشرته صحيفة “لوبنيون L’Opinion” الفرنسية، أمس الثلاثاء 19 شتنبر الجاري، روى فيه تفاصيل حصرية عن الساعات الأولى للملك محمد السادس بعد الفاجعة.

 

“آلو..هل يمكن لي الحديث مع جلالة الملك؟”

  باريس.الساعة 12:20 من ليلة الجمعةـ السبت 9/8 شتنبر الجاري.”آلو.. مرحبا. هل يمكن لي أن أتحدث إلى جلالة الملك؟”. على الطرف الآخر موظف الاستقبال. هو الذي يمكنه ربط الاتصال بالملك. يرد هذا الموظف ذو الخبرة العالية بالطريقة نفسها، سواء تحدث إلى رئيس دولة أو مع أي مسؤول محلي من أحد الأقاليم النائية. لمدة أربعين عاما ظلت هذه الطقوس ثابتة لإجراء مكالمة هاتفية مع الملك محمد السادس.

في تلك الليلة، كان الملك لا يزال مستيقظا. على الطرف الآخر من الخط، يخبره محدثه بوقوع زلزال قبل 10 دقائق فقط، وكان مركزه في بلدة إغيل، في الأطلس الكبير، و هي منطقة يعرفها الملك جيدا، لأنه كان يقوم بجولات على الأقدام هناك عندما كان أصغر سنا.

الملك في باريس

   وصل الملك محمد السادس إلى باريس قبل أسبوع، بعد مرور أكثر من سنة على زيارته الأخيرة لها. يأتي إلى مدينة النور لزيارة والدته، الأميرة للا لطيفة. هو الآن في قصره غير بعيد عن ساحة “شون دو مارس Champ de Mars”.

عندما يسافر محمد السادس إلى باريس، يكون محاطا بفريق صغير:خادم غرف، وخادم آخر، وعناصر أمن. يحب هذا الجهاز قليل الأفراد حتى يتمكن من التجول في مكتبات العاصمة أو في محلات تجارية، خاصة لزيادة مجموعته من النظارات القديمة.

الخطب الجلل

 بسرعة كبيرة ومن الجملة الأولى، أدرك الملك خطورة الحادث.طلب بأن تُقلع الطائرة الملكية “بوينغ 747” باتجاه الرباط. أجرى بعد ذلك سلسلة من المكالمات الهاتفية والمحادثات مع المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، مساعده الرئيسي و المكلف بنقل التوجيهات الملكية، و الذي كان بدوره في العاصمة الفرنسية.

الملك يريد الحصول على تقييم  دقيق للأضرار. تم استنفار العديد من الشخصيات، خاصة عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية. كما أعطى الملك تعليماته بتوجيه القمرين الصناعيين للمملكة نحو منطقة الكارثة لالتقاط الصور.

استنفار الجيش

    في منتصف الليل، كان واثقا من أن الوقاية المدنية لن تكون كافية لوحدها لتقديم المساعدة للضحايا. لذلك اتصل بالفريق أول محمد بريظ، الذي عيّنه، قبل خمسة أشهر، مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية و قائدا للمنطقة الجنوبية.

يعلم الملك محمد السادس بأنه يمكنه الاعتماد على هذا الضابط الكبير. فقد سبق له أن قاد لفترة طويلة الوحدة الثالثة في الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، و التي كانت مسؤولة، بشكل خاص، عن التعاون بين القوات المسلحة المختلفة و إقامة المستشفيات الميدانية و الحفاظ على السلام. ببساطة، هذا هو الشخص المناسب للوضع.

خلية أزمة

 استفسر الملك عن إمكانية الوصول إلى مركز الزلزال في جبال الأطلس، وسأل عما إذا كانت طائرات الجيش، وخاصة مروحيات “شينوك” بإمكانها الوصول إلى أعلى المرتفعات. تمت طمأنته بسرعة. أمر بتعبئة القوات المسلحة الملكية. تم أعطى تعليماته بإحداث خلية أزمة، في منتصف الليل، في وزارة الداخلية في الرباط، على المنوال نفسه الذي أحدثت به، خلال تدبير زلزال الحسيمة سنة 2004. وهو الحدث الذي سجّل تدبيرا متكاملا للأزمات من طرف القصر الملكي.

“كان الملك هادئا للغاية”، وفقا لمصادر عديدة قريبة من القصر. “اتخذ الإجراءات اللازمة من أجل بلاده. و قلّل إلى الحد الأدنى من التدخلات الخارجية، مما يفسر عدم تمكّن العديد من القادة الأجانب الاتصال به” بعد الزلزال.

عقد محمد السادس اجتماعا، بعد ظهر السبت، في القصر الملكي بالرباط، حيث وصل إليه على متن الطائرة الملكية. تحلّق حول الطاولة أبرز المسؤولين في الجيش، و رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، و وزير الداخلية. كان الوضع شبيها بفترة الأزمة الصحية.

لجنة إيواء وحساب للتبرعات

 أمر الملك محمد السادس رئيس الحكومة بتشكيل لجنة وزارية مشتركة لإعادة إيواء السكان و إعادة الإعمار. لم يتوجه أخنوش إلى مكان الحادث، فهو يعرف قوانين المملكة، إذ لا يمكنه أن يذهب إلى هناك إلا بعد زيارة الملك و بموافقته.

ثم أعطى الملك تعليماته لمسؤولي بنك المغرب، بتنسيق مع الخزينة العامة، بإحداث حساب خاص لإيداع التبرعات. اعتبارا من مساء الأحد، تم نشر رقم الحساب المصرفي في وسائل الإعلام لتمكين المواطنين و رؤساء الشركات من المساهمة في جهود التضامن.

الإعلام في مناطق الزلزال

 أمر الملك، أيضا، بإعادة تنظيم برنامجه للوصول بأسرع وقت ممكن إلى مكان الحادث. و لكن علماء الزلازل كانوا متخوفين من حدوث هزات ارتدادية، خلال الأيام اللاحقة، و كانوا محقين في ذلك. لن يزور الملك المنطقة إلا بعد مرور أربعة أيام.

و في غضون ذلك، يعطي تعليماته لقوات الأمن بعدم منع السكان الذين يرغبون في النوم في الهواء الطلق، فالعديد منهم لا يزالون تحت تأثير الصدمة. كما تم السماح لوسائل الإعلام الوطنية و الأجنبية بالتوجه إلى مكان الحادث، فأي إغلاق للموقع سيتم تفسيره كمحاولة للتضييق.

الملك الحامي

   بدأت الصحافة الغربية تتحدث عن عدم إدلاء الملك بأي تصريح بشأن الفاجعة. و لكن محمد السادس اختار التواصل بطريقته الخاصة، فهو “الملك الحامي”. التُقطت له الصور و هو يزور الضحايا في مستشفى مراكش، و يقدّم الدعم لمهاجر من منطقة الساحل الإفريقي. يجب أن يكون القدوة. يتبرع بدمه و يعبئ الهولدينغ الملكي للتبرع لفائدة الضحايا بمليار درهم.

ثم أصدر تعليمات لتعويض الضحايا، و إحداث وكالة وطنية للمخاطر الزلزالية. و من المقرر أن يلقي خطابا، بتاريخ 13 أكتوبر المقابل، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة للبرلمان. ولا شك أن موضوع إعادة الإعمار سيكون في قلب خطابه.