“البهجة24” تكشف تفاصيل مثيرة حول اختلاس 188 مليون سنتيم من مستشفى ابن جرير
عبد الرحمان البصري
بعد توالي الاتهامات بالإهمال الطبي، فضيحة مالية هزّت، هذه المرة، المستشفى الإقليمي بابن جرير، وتتعلق باختلاس أكثر من 188 مليون سنتيم من وكالة المداخيل. القضية حُكم فيها على متهم وحيد، وهو ممرض كان مكلفا بجباية المداخيل (نائب شسيع المداخيل)، بـ 3 سنوات سجنا، بينها سنتان سجنا نافذا، بعدما أدين بجنايتي “اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته”.
وبعد مرور حوالي سنتين على صدور القرار الجنائي في هذه القضية، التي لم تستغرق فيها المحاكمة سوى جلسة يتيمة، سواء خلال المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية، ما تزال ثمة جوانب يلفها الغموض، من قبيل أن بعض المسؤولين والموظفين ظلوا بمنأى عن المتابعة القضائية، رغم الاشتباه في مسؤوليتهم، و تصريح المتهم أمام المحكمة، و قبل ذلك خلال مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، بأنه كان يستخلص مصاريف الخدمات الاستشفائية تحت مسؤولية ومراقبة المقتصدة، التي قال إنه، وبحكم عدم توفر المصلحة على خَزنة حديدية، فإنه كان يسلمها المبالغ المالية المستخلصة دون أن تسلمه أي وصولات، مضيفا بأنها كانت تأذن له بأن يودع المبالغ بحسابه البنكي الخاص، حينما تكون في عطلة أو إجازة.
و تساءل عن سبب عدم التحقيق مع موظفين آخرين غيره، مشيرا إلى أنه أدلى لإحدى الموظفات برقم حسابه البنكي الذي كانت تودَع فيه المبالغ، كما أوضح محاميه بأن مؤازرَه لم يكن الموظف الوحيد المسؤول عن المداخيل، ملتمسا من المحكمة استدعاء المقتصدة وإجراء خبرة، وهما الملتمسان اللذان لم تتم الاستجابة إليهما.
أسئلة أخرى ما تزال معلقة، خاصة حول السر الكامن وراء عدم تعيين شسيع للمداخيل ( Le Régisseur) و الاستمرار في تكليف ممرض بوظيفة إدارية محاسباتية تقنية، طيلة حوالي أربع سنوات، دون أن يستفيد من أي تكوين في هذا المجال؟ علما بأن تعليمات وزير المالية رقم : 4786 – 2 بتاريخ 26 نونبر 2008 المتعلقة بكيفية إحداث وتسيير ومراقبة شساعات المداخيل والنفقات و قراره رقم : 2470- 2 بتاريخ 17 ماي 2005 شدّدا على أنه لا يمكن إسناد مهمة الشسيع أو نائبه إلا للموظفين الرسميين المتوفرين على المؤهلات الضرورية، وعلى شروط النزاهة والاستقامة، والذين يمتلكون مستوى معين ومطلوب من التكوين، ويقدّمون الضمانات اللازمة والمناسبة.
و هل يُعقل ألا يتوفر المركز الاستشفائي الإقليمي على خَزنة حديدية ؟ ولماذا تقاعس المندوب الإقليمي السابق لوزارة الصحة، الذي كان يشْغل في الوقت نفسه منصب مدير المستشفى، عن القيام بواجبه المهني؟ ولماذا لم يتخذ التدابير اللازمة لتأمين منصب الشسيع وتوفير أبسط الوسائل اللوجيستية ممثلة في صندوق حديدي؟
ولماذا انتظر حتى بقي أسبوع على زيارة اللجنة التابعة للخزينة الإقليمية التي وقفت على الاختلاس، ليوجّه رسالة لنائب الشسيع موضوعها التأخر الحاصل في عملية إيداع مداخيل شهري يوليوز وغشت من سنة 2020، في الوقت الذي حددت اللجنة مؤقتا المبلغ المختلس من المداخيل المحققة خلال أقل من سنتين في أكثر من 124 مليون سنتيم، دون احتساب مداخيل سنة 2017، التي تعذّر افتحاصها بسبب عدم العثور على وصولاتها في الأرشيف، قبل أن تُصدر تقريرا ثانيا أكد بأن المبلغ المختلس تجاوز 188 مليون سنتيم؟
وفي الوقت الذي تبدّدت فيه كل تلك الأموال العامة المتحصّلة من رسوم أدّاها مرضى من ذوي الدخل المحدود، لم تكلف وزارة الصحة نفسها عناء تنصيب نفسها طرفا مدنيا في القضية، ولم تفتح أي تحقيق إداري كان مفترضا أن ينتهي بترتيب الجزاءات ضد المتورطين طبقا للمقتضيات القانونية، بل لم تكد تمضى سوى أقل من سنة على صدور القرار الجنائي الاستئنافي في قضية الاختلاس الذي شهده المستشفى الإقليمي بالرحامنة، حتى رُقِّي مديره، المندوب السابق كمال الينصلي، الذي سبق لجمعيات حقوقية أن نظمت وقفات احتجاجية تطالب بإعفائه من مهامه “بسبب الوضعية الكارثية التي أصبح عليها المستشفى في عهده”، إذ عيّنه وزير الصحة مديرا جهويا بجهة الداخلة وادي الذهب، ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى التحقت به المقتصدة السابقة بالمستشفى نفسه، هدى الخياطي، لتشغل إلى جانبه مهمة مقتصدة بالمندوبية الجهوية بالداخلة.
“البهجة24” تعيد تركيب قصة هذه القضية في 5 أجزاء مستندة إلى المعطيات المثيرة التي كشفت عنها الأبحاث الأمنية المنجزة من طرف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، والتحقيق الإعدادي الذي أجراه قاضي التحقيق بالغرفة المكلفة بجرائم الأموال، وأطوار المحاكمة أمام غرفتي الجنايات باستئنافية المدينة نفسها.