برنامج “مراكش..حاضرة متجددة” بِعيْن الشاعر ياسين عدنان:المدينة العتيقة تتعرض لتنميط مُريع يفتقد للإبداع
تساءل:”كيف يمكن لأدباء المدينة و فنّانيها أن يواجهوا المحو و الطمس و تغيير المعالم؟”
أسئلة عميقة و حارقة طرحها الكاتب و الإعلامي ياسين عدنان، حول برنامج “مراكش..حاضرة متجددة”، خلال لقاء ثقافي رعته المديرية الجهوية لوزارة للثقافة بمركب “الداوديات” بمراكش، مساء الخميس 16 نونبر الجاري، بشراكة مع جمعية “دوز تمَسرح” ، تُوّج بحفل توقيع كتابه “مراكش التي كانت”.
عدنان قال إن “الجميع في مراكش يعيش، اليوم، في “حاضرة متجدّدة”، حسب الشعار”، ثم تساءل:” فكيف تتجدّد المدينة؟ أم أنه لا رأي لمثقفي المدينة و أدبائها فيما يحصل؟
ليس هناك ما هو أشدّ مضاضةً على المرء من أن يرى الإفساد صادرا عن رغبة صادقة في الإصلاح، خاصة و الكل يرى حومات مراكش العتيقة تتعرّض لتنميط مُريع. نفس المقاولات تفبركُ على عجلٍ أبوابا وشرفات متماثلةً حتى صارت كل الأبواب والأزقة تتشابه. لا فرق بين حيٍّ مرابطيٍّ وآخر سعديّ. فالمقاولة ذاتُها، تنتج النموذج عينه، حسب مواصفات عامة موحّدة، و لا وقت لديها للبحث و الابتكار و إعمال الخيال” يوضح.
و تابع: “تلك الجمل المعمارية بديعة التنويع غابت، و تمّ الإجهاز عليها. تنوّع الأبواب و الشرفات، كل ذلك صار أثرا بعد عين. و اليوم صار الجميع أمام باب واحد و دفّة واحدة من الملّاح إلى رياض العروس. فهل بمثل هذا التطابق المُريع المفتقر إلى الخيال تتجدّد المدن و تستعيد نضارتها؟ ثم ماذا عن المعالم التي تضيع؟ و التي رصد الكِتاب بعضها: مقهى المصرف و سينما بلاص و شوارع الحوز…”.
و واصل: “حينما طُرِد الكتاب من جامع الفنا لم يتكلم أحد. و على امتداد عقود أصبحت الساحة فقيرة إلى ما كان يصنع غناها، و كُتبيّوها مشرّدون لا يزالون، بل حتى حكواتيّوها واجهوا المصير نفسه. و كأن الأمر لا يعني أي أحد. إذن، كيف يمكن لأدباء المدينة و فنّانيها أن يواجهوا المحو و الطمس وتغيير المعالم؟ هل بالكتابة فقط؟ ها قد كتبنا. لكن ماذا بعد الكتابة؟”.
“ثم هل الحرص على صيانة المدينة يعني التشبث بشكل أعمى برؤية أصولية ترفض التغيير و التحديث و التجريب الخلّاق؟ و لماذا لم نعقد ندوة للتداول في المقترحات التي طُرحت لتثمين قصر البديع و قصر الباهية مثلا؟ لم لا يتم تنظيم جلسات لتدارس أثر أمثال هذه المشاريع على تنمية المدينة، و رصد مكاسبها ومخاطرها على أوجهها الظاهر منها و الخفي؟ هل قدر المثقفين و رجال الأدب أن يبقوا رهائن لوبيات توجّههم و تستخدمهم؟ هل من سبيل إلى صياغة موقف ثقافي رصين، حريص على الأصالة، متطلع إلى التحديث، يستشرف مستقبل المدينة دون أن يتنكّر لماضيها بالضرورة؟” يتساءل عدنان بحرقة.
و تحدث الأديب و الإعلامي المراكشي، في بداية اللقاء، عن مراكش و معالمها و تاريخها الضارب في القِدم، و ماضيها القريب الذي كان شاهدا عليه.
“مراكش مدن في مدينة، يمكنك أن ترى فيها القرن السادس عشر يمشي جنبا إلى جنب مع القرن الحادي والعشرين” يقول عدنان، ثم يستطرد: “لا يحتاج المرء سوى إلى نقلة صغيرة ليجد نفسه يمر من القرنين الحادي عشر و الثاني عشر إلى القرن السادس عشر من زاوية “الحضر” بالحي المرابطي، إلى حي “المواسين” و زمن السعديين، و أمجاد القرن السادس عشر، زمن انتصار السعديين في وادي المخازن على البرتغال و الإسبان”.
المدينة الحمراء خضراء أيضا، وفق عدنان، بتوفرها على ثلاثين حديقة و عرصة و بستانا، منها البساتين السلطانية، التي تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، و تحافظ إلى اليوم على طرازها .
بعد ذلك، انتقل إلى الحديث عن كتاب “مراكش التي كانت”، معتبرا بأن تقديمه لن يكون طقسا احتفاليا، بل لحظة مساءلة المنجز فيه و ما طاله من أوجه القصور، و لمساءلة دور الأدباء و الفنانين و الكُتّاب، و كيف يمكن لهم المساهمة في صيانة المدينة و تحصين معالمها؟ و كيف يمكن المساهمة في تنميتها عبر الكتابة و الإبداع؟