فضيحة عالمية..نستله تدس سكرا إضافيا في حليب الأطفال الفقراء

فضيحة عالمية..نستله تدس سكرا إضافيا في حليب الأطفال الفقراء

موظف في WHO:”هدف الشركة من السكر الإضافي هو جعل الأطفال مدمنين على منتجاتها”

عالم سنغالي: “السكريات المضافة تخلق إدمانا مثل المخدرات

شركة نستله تخالف المعايير الصحية في إنتاج حليب الأطفال الموجه لإفريقيا. نسبة السكر فيه أكثر ارتفاعا مقارنة مع المباع في الأسواق الغربية.

تحقيق صحفي لصحيفة “لوموند” Le Monde يكشف عن ازدواجية المعايير و جرعة السكر الزائدة التي تضر بالمستهلكين الصغار الفقراء.

“البهجة24” ترجمت التحقيق، المنشور بالموقع الإلكتروني للجريدة الفرنسية، مساء الخميس 25 أبريل المنصرم، و المنجز من طرف: مارين جينين (مراسلة أبيدجان)، فيكتور كاريو (مراسل أكرا) و عباس أسمعان (مراسل دكار).

 

“الدكتورة لويزة” هي واحدة من أكثر المؤثرات شهرة في غانا. و هي جراحة أسنان و أم لطفلين و زوجة المغني المشهور ستونبري. بعد العودة من المدرسة، في عطلات نهاية الأسبوع أو في حفلات عيد الميلاد، لا تتردد لويزا ساتيكلا في إظهار أطفالها وهم يتناولون وعاء من العصيدة المصنوعة من سيريلاك أمام ما يقرب من مليون متابع على إنستغرام وتيك توك.

“سيريلاك موجود دائما لتزويد أطفالي بالأغذية التي يحتاجونها” هذا ما يمكن قراءته بجانب صورة وجبتهم الخفيفة المسائية على وسائل التواصل الاجتماعي. لويزا ساتيكلا هي واحدة من الوجوه الترويجية العديدة لحليب الأطفال، المصنوع من شركة نستله السويسرية.

من داكار إلى جيبوتي و من لاغوس إلى كيب تاون، يظهر منتجا حليب الأطفال المجفف سيريلاك و نيدو على جميع اللوحات الإعلانية في العواصم الإفريقية، و يحتلان مساحة كبيرة على رفوف المتاجر الكبرى. بفضل هاتين العلامتين التجاريتين، تسيطر الشركة العملاقة السويسرية على 20% من سوق أغذية الأطفال: حققت شركة سيريلاك، الرقم واحد عالميا، و حققت رقم مبيعات يقارب مليار يورو في عام 2022.

وراء هذا النجاح تعتمد الشركة السويسرية إستراتيجية تطرح من خلالها المنتجات في الدول الإفريقية لمستويات عالية من السكر المضاف، بينما تباع تلك الموجودة في الأسواق الغربية بدون سكر أو بكميات قليلة.

كشفت الجمعية السويسرية “عين الجمهور” و الشبكة الدولية للعمل من أجل أغذية الرضع(lbfan) عن “معايير مزدوجة” بفحصهما في المختبر لـ115 منتجا تباع في الأسواق الرئيسية لشركة نستله في إفريقيا وآسيا و أمريكا اللاتينية.

شعبية قوية

نُشرت النتائج المتوصل إليها، بتاريخ 17 أبريل الفارط، في تحقيق بعنوان “كيف تجعل شركة نستله الأطفال مدمنين على السكر في البلدان ذات الدخل المنخفض”.

“يبدو أنه بالنسبة لشركة نستله، ليس جميع الأطفال متساوين” ، يلخص لوران غابرييل، أحد المشاركين في إعداد التقرير، القضية في اتصال مع صحيفة لوموند.

و يشير التقرير إلى أنه في “السنغال أو نيجيريا أو جنوب إفريقيا، تحتوي جميع منتجات العلامة التجارية “نيدو ” للأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة و ثلاث سنوات، على سكر إضافي. يقدّر معدو التقرير أن نفس الوضع ينطبق على جزء كبير من القارة، بما في ذلك ساحل العاج و غانا، حيث لم تتمكن الشبكة الدولية للعمل من أجل أغذية الرضع(lbfan) من جمع البيانات، و لكن  إستراتيجية التسويق للشركة فيهما متشابهة. الهدف، وفقا لما ذكره نايجل رولينز، العامل في منظمة الصحة العالمية، الذي استشهدت به الجمعية، خلق فرص الاعتياد، و جعل الأطفال مدمنين على منتجاتها و زيادة مبيعاتها.

تحظى منتجات حليب الأطفال نستله بشعبية كبيرة في جميع أنحاء غرب إفريقيا، و ذلك بفضل إستراتيجية تسويقية قوية، حيث يتسلل الآن المؤثرون إلى مطابخ ربات البيوت و عشاق الرياضة و الأجسام الممشوقة على غرار “التكتوكرز” الغينية ماريا أوفيسيال(Officiel) التي تضمن لمليونين و 700 ألف من  متابعيها “زيادة في الوزن خلال خمسة أيام” بفضل “سيريلاك” و “نيدو” حيث يتم عرض شعاراتهما باستمرار في منشوراتها.

“هل هذا خطير؟” يتساءل أحد المتابعين في التعليقات. فيرد آخر ” لا، إنه للطفل، لذا فهو جيد، انطلق!”. مع الكثير من الرموز التعبيرية للعضلات، يروّج المؤثر السنغالي”دجيلي ملك الصابون” أيضا “بزيادة ممتازة للوزن” بفضل نيدو و عصائد سيريلاك لمتابعه البالغ عددهم 125000 مشترك باللهجة المحلية (الوولف).

سكريات مخفية

يستنكر لوران غابرييل قيام شركة نستله بالترويج لمنتجات سيريلاك من خلال المؤثرين و خبراء الصحة، إذ إنها بذلك تنتهك الميثاق الدولي لمنظمة الصحة العالمية، موضحا أن الميثاق الدولي لتسويق بدائل لبن الأم، الصادر عن منظمة الصحة العالمية، يحظر الإشهارات لهذا النوع من المنتجات، منذ سنة 1981.

فقد تم تبني هذا المنع في أعقاب فضيحة حول حليب الأطفال من نستله في السبعينات، والذي عرف باسم “قاتل الأطفال”، إذ اتُهمت الشركة بالترويج لبدائل حليب الأم في البلدان النامية، التي تضر بصحة الرضع، على حساب الرضاعة الطبيعية.

الكشف عن قضية “السكريات المخفية” كانت له ردود أفعال متباينة في البلدان الإفريقية المعنية بتحقيق الجمعية السويسرية ” عين الجمهور”. ففي غانا كما هو الحال في ساحل العاج، حيث لا توجد جمعيات حماية المستهلك، لم تصدر أي ردود فعل من طرف المجتمع المدني. عندما سئلت أمٌّ شابة لطفل يبلغ من العمر عامين عند خروجها من أحد متاجر البقالة بأبيدجان، هزت كتفيها. ثم قالت إنها “لم تكن على علم بالقضية و هذا الخبر لن يكفي لتغيير عاداتها الاستهلاكية”.

و تضيف: “منتجات سيريلاك لذيذة المذاق، كانت أمي تطعمني بهاعندما كنت طفلة، و أنا الآن أطعمها لابني. لم ألاحظ أبدا وجود الكثير من السكريات، إنه نفس الطعم منذ أجيال. و نستله شركة كبيرة، و يتم بيع منتجاتها في جميع أنحاء العالم… بالنسبة لي يمكنني الوثوق بهم”.

في السنغال، فقط الدوائر المطلعة و العلماء، مثل أخصائي الأعصاب أمادو جالو ديوب، الذي ظل يحذر منذ سنوات من أضرار السكر المضاف، هم الذين أبدوا استيائهم. يؤكد الدكتور ديوب بأن “الخطورة تكمن في تعويد هؤلاء الأطفال بعد الفطام على هذه المسارات الضارة بالجسم. تخلق هذه السكريات المضافة إدمانا وتستخدم نفس المسارات العصبية مثل المخدرات”.

يبدو أن الحكومة الجديدة في السنغال، بعد انتخابات في 24 مارس، عاجزة عن التعامل مع هذه الفضيحة الصحية حيث يتم تجاهل النداءات النادرة من المستهلكين لسحب منتجات سيريلاك ونيدو.

تقول الدكتورة أوميك ندياي نداو، مديرة الوكالة الوطنية للرقابة على الأغذية و الأدوية، “نحن لا نتعامل مع الأمور بطريقة شعبوية، بل نطبق القوانين. لقد أبلغتنا شركة نستله، الأسبوع الماضي، في خطاب مكتوب أنها تلتزم بالقوانين”.

نستله تعترف بـ”اختلافات طفيفة”

مع ذلك، وعدت هيئة الرقابة، التي تم إنشاؤها سنة 2022، بعمليات تفتيش وشيكة. لكن ينفعل مصدر مطلع جدا: “وكالة التنظيم الصيدلي (هيئة الرقابة  l’ARP) لا تملك القوة الكافية.  نظريا، تتمتع هذه السلطة المستقلة بسلطة الرقابة و إحالة القضايا على المحكمة. يمكنها تفتيش الشحنات المستوردة في ميناء دكار، لكن الجمارك تنظر إليها بعين الريبة، لأن الميناء هو مجال نفوذها.”

في اتصال  لصحيفة “لوموند” مع شركة نستله، تؤكد هذه الأخيرة أنه في “وسط و غرب إفريقيا، إضافة السكريات إلى مجموعتنا من الحبوب الغذائية للأطفال تتم بمراعاة أصول القوانين المحلية و الدولية الأكثر صرامة”، والتي تقضي بـ”احترام متطلبات التغليف و الحدود القصوى لمحتو ى الكربوهيدرات، بما في ذلك السكريات”.

و تعترف الشركة متعددة الجنسيات بوجود “اختلافات طفيفة في الوصفات في جميع أنحاء العالم”، لكنها تضيف أن “حليبها و حبوبها للرضع  و الأطفال الصغار مدعمة بالفيتامينات و المعادن مثل الحديد لمكافحة سوء التغدية في وسط وغرب إفريقيا”.

يستنكر لوران غابرييل هذه الحجج و يقول “إننا لا نتحدث عن تغييرات طفيفة في الوصفات”، يذكّر الخبير بأن “مستويات السكر المضافة مرتفعة للغاية: 6,8 غرام لكل وجبة بنيجيريا، بينما يتم بيع نفس المنتج بدون سكر مضاف بأوروبا، و هو رقم ضخم”. أما بالنسبة لسوء التغذية، يعتبر غابرييل أنه “لا أساس لها من الصحة على الإطلاق” : بالعكس تماما، توصي منظمة الصحة العالمية لتقليل تناول السكر إلى أقل من 5٪ من إجمالي حصة الطاقة المستهلكة.

تأثير اللوبيات

 

على الرغم من المشاكل الأخلاقية و قضايا الصحة العامة التي أثارتها جمعية”عين الجمهور”، فإن ممارسات شركة نستله تظل بمنأى عن أي مساءلة قانونية، لأن التشريعات في غرب و وسط إفريقيا متساهلة للغاية.

و تستند هذه القوانين على المعايير المنصوص عليها في المدونة الدولية لتسويق بدائل حليب الأم، التي وضعتها منظمة الصحة العالمية سنة 1981، و إلى مدونة الأغذية، و هي معايير غير مقيدة للأغذية الزراعية و الأغذية التي وضعتها لجنة دولية تحت رعاية منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمنظمة الصحة العالمية.

“و مع ذلك تسمح معايير مدونة  الأغذية بإضافة السكر إلى أغذية الأطفال و لا تلزم الشركات المصنعة حتى بالإفصاح عن محتوى السكر المضاف في منتجاتها” يوضح لوران غابرييل “و السبب وراء كون معايير مدونة الأغذية متساهلة للغاية يكمن في كلمة واحدة: جماعات ضاغطة، إذ تتمتع الصناعة بنفوذ هائل في مدونة الأغذية، فهي موجودة بكل الطوابق و بجميع الغرف التي يتم فيها اتخاذ القرارات”. ففي مراجعة حديثة لمعيار حليب النمو، مثلا، شكل ممثلو شركات الضغط أكثر من 40٪ من المشاركين في تحديدها.