الهبطي في حوار مع لوفيغارو: تحقيق الأمن الغذائي بإفريقيا يتطلب ثورة خضراء تجمع بين التكنولوجيا وإتباع نهج مستدام
ثلث سكان إفريقيا لا يتوفرون على مياه صالحة للشرب وأنشأنا معهدا دوليا لأبحاث المياه بالجامعة لتكوين فاعلين أفارقة في هذا المجال
يسعى منتدى باريس للسلام، و هو نادٍ للتفكير و العمل، إلى إيجاد حلول للتحديات الدولية الكبرى. إحدى أرقى الجامعات بإفريقيا تستضيف دورته القادمة، ابتداءً من اليوم الاثنين 10 يونيو الجاري.
ينظم المنتدى، الذي انطلق في باريس، سنة 2018، بمناسبة الذكرى المئوية لهدنة الحرب العالمية الأولى، اجتماعه الربيعي، الاثنين و الثلاثاء 10 و 11 يونيو الحالي، بابن جرير.
يُموَّل هذا المنتدى من طرف شركاء من القطاع الخاص، لكنه يحظى بدعم العديد من الحكومات. يرأسه أنجيل جوريا، الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الاقتصادي و التنمية، الذي خلف الفرنسي باسكال لامي. و تسعى هذه المؤسسة إلى إعادة ابتكار التعددية و إيجاد حلول ملموسة لتحديات الغد.
“التحولات العادلة” هو الموضوع الذي تم اختياره لهذا العام.
هشام الهبطي، رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية المرموقة بابن جرير، التي تحتضن المنتدى، يعرض القضايا المطروحة في هذه القمة في حوار مع الصحيفة الفرنسية “لوفيغارو” Le Figaro، أجراه معه الصحفي إيف ثريرد Yves Threard.
“البهجة24” تعيد نشر الحوار بعد ترجمته.
كان أحد مواضيع منتدى باريس للسلام لعام 2022 هو “عدم السماح للحرب بالفوز”. أوكرانيا، الشرق الأوسط، شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية…هل يبدو هذا الهدف صعب التحقيق؟
لقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نجتمع معا كجهات فاعلة ذات نوايا حسنة للحد من عواقب هذه النزاعات: انعدام الأمن الغذائي، انعدام الأمن الطاقي، و مديونية البلدان الأكثر هشاشة، وغيرها. هذا هو الهدف الأساسي لمنتدى باريس للسلام، الذي نستضيف اجتماعه الربيعي بابن جرير.
كيف يمكن بناء مشاريع متعددة الأطراف في عالم يهيمن عليه التنافس و الحروب؟
بالضبط، عندما ينقسم العالم إلى كتل متنافسة، يكون من الضروري تعزيز التعاون الدولي و العمل من أجل تحقيق المنافع العامة العالمية. باعتبارنا مؤسسة أكاديمية، نشجع الحوار و التعاون حول الأهداف المشتركة لبناء مشاريع متعددة الأطراف. تمتلك الجامعات إمكانية نسج علاقات دائمة للأجيال القادمة. بناء هذه العلاقات مسألة ضرورية.
يجري الحديث عن “الجنوب العالمي” في إشارة إلى الدول التي تتحدى الهيمنة الغربية..هل ما يزال هذا المفهوم قائما؟
لا شك أن فكرة “الجنوب العالمي” وثيقة الصلة بفهم التحديات و الفرص المشتركة التي تواجهها الدول النامية. و مع ذلك يجب توضيحها و مراعاة الفروق الدقيقة من أجل أن نأخذ بعين الاعتبار تنوع الواقع و التجارب لكل بلد.
ينعقد الاجتماع بابن جرير حول موضوع “التحولات العادلة” في العلاقات بين الشمال و الجنوب.. في أي المجالات تحديدا؟
سنغطي أربعة مواضيع رئيسية: التحول المناخي و تأثيره على التنمية، الطاقات المتجددة و المعادن، التحولات الزراعية التي يجب أن تكون عادلة بإفريقيا، وأخيرا تقاسم المنافع في مجال الصحة على مستوى العالم.
ما هو التحدي الأكبر الذي على إفريقيا مواجهته اليوم؟
من الواضح أنه يتمثل في ملاءمة النمو الديمغرافي المرتفع (سكان إفريقيا سيصل عددهم إلى 2,7 مليار نسمة بحلول سنة 2050) مع النمو الاقتصادي المستدام و الشامل. هذه الموازنة تفرض تحديات هائلة في ما يتعلق بالبنية التحتية و الخدمات العامة، و خلق فرص الشغل.
و يزداد الوضع تعقيدا بسبب الظروف المناخية التي لها انعكاسات مباشرة على الأمن الغذائي و توفر موارد المياه و استدامة الأنظمة الزراعية. و علاوة على الاستثمارات و التعاون الدولي، يجب الاستثمار في التعليم و التكوين المهني. و هذه هي المهمة التي تضعها جامعة محمد السادس في أولوياتها.
كيف يمكن ضمان الأمن الغذائي في إفريقيا؟
تتمتع إفريقيا بمزايا كبيرة: نسبة الشباب فيها مرتفعة، فضلا عن توفرها على أكبر احتياطي للأراضي الصالحة للزراعة و غير مزروعة في العالم (60%). يتطلب تحقيق الأمن الغذائي ثورة خضراء تجمع بين التكنولوجيا لدراسة التربة و النباتات، و إتباع نهج مستدام. و لرفع هذا التحدي، يجب على مختبرات البحث تكوين الشباب على تحويل هذه التقنيات إلى ابتكارات محلية ذات تأثير.
هل من الممكن ضمان حصول جميع الأفارقة على المياه بكل أنحاء القارة في ظل ظاهرة الاحتباس الحراري؟
الموضوع ذو أهمية بالغة: ثلث ساكنة إفريقيا لا يتوفرون على مياه صالحة للشرب، و 750 مليونا لا يحصلون على خدمات جيدة للصرف الصحي. يجب الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة التي تمكّن في نفس الوقت من توفير أمثل للمياه و تحسين استخدامها و إعادة تدويرها.
مرة أخرى يشكل التكوين و البحث عنصرين ضروريين لمواجهة هذا التحدي الكبير. و لذلك فإن الهدف من المعهد الدولي لأبحاث المياه (IWRI=International Water Research Institue)، الذي أطلقته جامعة محمد السادس هو تكوين أجيال المستقبل من الفاعلين الأفارقة في مجال المياه، مع التركيز على تأثير التغيرات المناخية و مقاييس التكيف مع هذه التحولات.
كيف تفسرون أن جائحة كوفيد لم تكن لها نفس العواقب القاتلة في كل منطقة بالقارة ، حيث تأثر المغرب العربي، مثلا، أكثر من غرب إفريقيا؟
كان لجائحة كوفيد-19 عواقب متفاوتة الشدة، ليس فقط في إفريقيا، بل أيضا في أوروبا و في جميع أنحاء العالم. اعتمدت إدارة الأزمة على العديد من العوامل، بما في ذلك البنية التحتية، و الموارد البشرية في مجال الصحة، وهرم الأعمار في كل بلد… و اليوم، أدركنا أن هذه الحالات الاستثنائية يمكن أن تحدث في أي وقت..لذلك يجب أن نكون مستعدين لها بأفضل حال ممكن لمواجهتها.
تتولون رئاسة جامعة محمد السادس، و هي مؤسسة متميزة. يحصل 7% فقط من سكان إفريقيا على تعليم عالٍ، مقارنة بـ77% في الغرب.. كيف يمكن تعزيز إمكانية الوصول إلى المعرفة بأفريقيا؟
سيزداد عدد الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة، في إفريقيا بأكثر من 40%، بحلول سنة 2030. لذا يجب أن يتكيف النهج التعليمي بشكل إيجابي.
في بوليتكنيك محمد السادس، يعد الابتكار هو جوهر هوية الجامعة لتمكين شبابنا من الاستعداد لمستقبلهم، خاصة من خلال نهج “التعلم بالممارسة” الذي يضع الطلاب في مواقف حقيقية لتطوير مهارات التعلم الذاتي اللازم تكييفها مع واقع قارتنا.
علاوة على ذلك، حددنا هدفا يتمثل في استقبال 20% من طلابنا من الخارج، و خاصة من إفريقيا جنوب الصحراء. و تعد التكنولوجيا الرقمية أيضا رافعة مهمة، لكن الأهم هو تطوير الابتكارات المحلية التي تترك أثرا ملموسا. و تبقى المساهمة في إيجاد حلول لتحديات القارة إحدى طموحاتنا الرئيسية.
ما هي مميزات جامعة محمد السادس ؟
تتميز جامعة محمد السادس برؤية تركز على البحث و الابتكار، و نهج مبني على الخبرة مع تركيز قوي على إفريقيا. خلال سبع سنوات فقط، أصبحت مؤسستنا جامعة كاملة بأقسام أكاديمية في العلوم و التكنولوجيا و الصحة و العلوم الإنسانية و الأعمال و الإدارة، قادرة على المساهمة في التفكير في حلول لتحديات القارة.
يقوم المغرب حاليا، كما لم يحدث من قبل، بتوسيع نفوذه الاقتصادي والمصرفي في جميع أنحاء إفريقيا..كيف تفسرون هذا الاهتمام؟
المغرب يثق بإفريقيا أكثر من أي وقت مضى. تسعى جامعة محمد السادس إلى تطوير مواهب الشباب الأفارقة. في شراكاتنا الجامعية بالقارة، يتعلق الأمر ليس، فقط، بتقاسم الخبرات التي طورناها مع الواقع المحلي، بل بالاستفادة، أيضا، من تجارب مناطق معينة تواجه، على سبيل المثال، فترات من الجفاف وت مكنت من التكيف معه.
ما يحكم توجهاتنا اليوم هو إيجاد حلول لتحديات عصرنا. و هذا بالضبط ما سيشكل جوهر أعمالنا بابن جرير، خلال اجتماع الربيع لمنتدى باريس للسلام، الذي نحن فخورون بتنظيمه في إفريقيا لأول مرة.
المصدر/ Le Figaro 7 Juin 2024