استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الثالث)

استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الثالث)

عبد الرحمان البصري

 

  “كان يا مكان..الإلدورادو المغربي” عنوان تحقيق صحفي مثير حول استوديوهات وارزازات نشرته صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”، في عددها لشهر غشت الجاري، استطلع فيه “بيير دوم” Pierre Daum، مبعوثها الخاص للمغرب، آراء مسؤولين في القطاع ومهنيين وجامعيين، قبل أن يخلص إلى دق ناقوس الخطر حول الأخطار المحدقة بـ” إلدورادو المغرب”.

  في الجزء الثاني، كشف التحقيق بأن شركات الإنتاج صرفت 100 مليون يورو على تصوير أفلامها، خلال 2022، وبالرغم من ذلك فإن جهة درعة- تافيلالت ،حيث تقع”وارزاوود”، هي الأكثر فقرا بين الجهات الـ12 بالمغرب. و لا يوجد خط قطار أو طريق سريع باتجاه ورزازات.

  “البهجة24” تنشر اليوم الجزء الأخير من ترجمتها للتحقيق بتصرف.

 

 تكوين تقني

  مع فشلها في إخراج سكان “وارزاوود” من بؤسهم، هل كان لتصوير الأفلام الأجنبية فوائد على إنتاج الأفلام المغربية؟ لا توجد آلية عملية لكي يستثمر جزء من 100 مليون يورو في صناعة الأفلام المغربية. علاوة على ذلك فإن صندوق المركز السينمائي المغربي ليس لديه سوى 60 مليون درهم (5,4 مليون يورو) توزع كل سنة على حوالي 15 مشروعا.

“من ناحية أخرى، لم نكن نتوفر على الكثير من التقنيين الجيدين بدون إنتاج أجنبي! ” يقول عبد الإله هلال، مدير المدرسة العليا للسمعي البصري بمراكش، الذي عمل هو نفسه كمساعد مهندس صوت في تصوير أفلام أجنبية.

لعدة عقود تم تدريب وتكوين العاملين المغاربة من جميع الفئات في مواقع التصوير: كاميرا، تأطير، ضوء، صوت، كهرباء، ميكانيك ، لباس، المكياج… في وقت لاحق تم إنشاء مدارس بكل من مراكش، الدار البيضاء وورزازات يمكن لطلابها حاليا إيجاد تداريب وعمل في مواقع تصوير الأفلام الأجنبية بالمغرب، والتي لديها التزام قانوني بتوظيف على الأقل 25% من المغاربة إضافة للكومبارس، والنتيجة أنه أصبح لدينا مجموعة كبيرة من التقنيين الاستثنائيين” يقول عبد الحي العراقي، مخرج سينمائي.

ثم أضاف:” لأعطيك مثالا، فيلمي الأخير يدور حول حركة الاستقلال بالمغرب. لقد وجدت بورزازات فنيين قادرين على خلق جميع المؤثرات الخاصة التي كنت بحاجة إليها: تفجيرات، نيران مدافع رشاشة… كل ذلك على الطريقة القديمة وبدون استعمال التقنية الرقمية”.

فنيون من الدرجة الثانية

  هذه اللوحة الجميلة تحتاج إلى بعض التدقيقات كما يوضح حمزة بنموسى (33 سنة)، خريج المدرسة العليا للسمعي البصري، “في الواقع لا تثق بك الإنتاجات الأجنبية، فهي تستخدمك كتقني من الدرجة الثانية. أنت هنا للتنفيذ أو للترجمة. حاليا أفضّل العمل في المسلسلات المغربية، حيث أشغل منصبا حقيقيا. أتقاضى 1200 يورو في الأسبوع. هذا جيد، ولكن ليس لدينا النظام نفسه المعمول به في فرنسا. عندما لا أعمل لا أكسب شيئا”.

صوفيا العلوي (33 سنة)، مخرجة مغربية- فرنسية مقيمة في الرباط، فازت مؤخرا بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان صاندانس بأمريكا بفيلمها الروائي الطويل الأول “أنيماليا”. تؤكد ما قاله بنموسى. تتطابق تصريحات جميع المخرجين الشبان الذين التقينا بهم. “عندما يصل الأمريكيون بأموالهم الطائلة، يأتون بفريقهم. يضيفون إلى كل منصب تقنيا مغربيا. هذا الأخير لديه اللقب، و أجرة جيدة، ولكن ليس لديه الوظيفة”.

سكان يهددون بوقف التصوير

  مشكلة أخرى تُثار بقوة.أفضل التقنيين المغاربة ليس لديهم أبدا في جدول أعمالهم مكان للإنتاج المحلي، برامجهم مليئة دائما بتصويرات أجنبية. ناهيك عن ارتفاع أسعار استئجار أماكن التصوير. “أردت التصوير في رياض بفاس تم استغلاله من قبل في إطار إنتاج أجنبي، طلبوا خمس مرات المبلغ الذي اقترحته!”، يقول عبد الحي العراقي.

الأمر نفسه بالنسبة للتصوير بالأحياء التاريخية القديمة في البلاد، فما إن ينتهي إنتاج هوليوودي، حتى يعتاد أي ساكن في هذه الأحياء على المطالبة بمبلغ 100 دولار يوميا أو إزعاج أو التسبب في إيقاف التصوير. مبالغ لا يمكن للإنتاجات المغربية تحمّلها.

يبدو أن الفائزين الحقيقيين هم المنتجون التنفيذيون المغاربة. فهل يساهمون في تطوير السينما الوطنية؟ مبدئيا يلتزمون بذلك، لأن المركز السينمائي المغربي يفرض عليهم إنتاج فيلم طويل مغربي كل أربع سنوات، أو ثلاثة أفلام قصيرة، من أجل تجديد بطاقتهم المهنية. “لكن في الحقيقة، نحن نتعامل بمرونة بما فيه الكفاية”، يقول خالد السعيدي، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، ويضيف: “لا يتعين علينا وضع عراقيل أمام الشركات التي تضخ سنويا عشرات الملايين من اليورو في اقتصاد البلاد…”.

بالنسبة لأولئك الذين يتعهدون بتنفيذ هذا الالتزام، “يقومون بذلك على نحو عشوائي من خلال استنزاف المساعدات المقدّمة من المركز السينمائي المغربي دون تحمّل أي مخاطر”، يقول وليد أيوب (34 سنة)، مخرج.

“هناك سينما جزائرية مثيرة للاهتمام منذ عشر سنوات، وسينما تونسية في قمة التجديد. لماذا في المغرب لا يستطيع جيلنا الظهور؟” تشتكي ريم مجدي (33 سنة)، مخرجة لثلاثة أفلام قصيرة. يبدو كما لو أن الإيجابيات التي تحققت للمغرب، باعتباره موقعا لتصويرات عالمية، قد تحولت إلى عقبات تعيق ازدهار الإنتاج السينمائي الوطني.

السعودية تسوّق صورتها دوليا

 طيلة سنوات شكلت تونس المنافس التجاري الرئيس للمغرب فيما يتعلق بتصوير الأفلام الأجنبية. و”لكن بعد ذلك أصبح الحصول على تصاريح التصوير هناك أكثر صعوبة ابتداءً من سنة 2000″ يقول المنتج المغربي صارم الفاسي الفهري، و أضاف:”منذ الربيع العربي، في سنة 2011، أصبح البلد يعيش وضعا مبهما للغاية، ولا أحد يرغب في الذهاب إليه”.

جنوب إفريقيا بدورها كانت منافسا تاريخيا آخر، ولكنها انسحبت من السوق منذ عشر سنوات بسبب تراجع الإعلانات التلفزيونية. “من حيث المشاهد الطبيعية، بما في ذلك البحر والكثبان الرملية والصحراء، تشكل مالطا والبرتغال وإسبانيا منافسين مباشرين لنا، وخاصة جزر الكناري، التي تقع أمام المغرب” يوضح خالد السعيدي، الذي تابع: “ولكن اليوم يجب علينا مواجهة منافسين آخرين جديين جدا: أبو ظبي والسعودية”.

هذان البلدان هما كابوس المهنيين السينمائيين المغاربة. “تسبب السعودية لنا الكثير من الأذى”، يؤكد صارم الفاسي الفهري، الذي قاد المركز السينمائي لمدة ثماني سنوات (2014-2022)، ثم أوضح: “إنهم يستقطبون أفضل المهنيين لدينا بعرض رواتب خيالية عليهم. خلال أربع أو خمس سنوات، ستكون لدينا مشاكل حقيقية.”

أشغال ضخمة تم إطلاقها، قبل بضعة أشهر، في شمال السعودية، في إطار مشروع لإنشاء مدينة مستقبلية من العدم في وسط الصحراء، تمتد على طول خط مسافته 170 كيلومترا. المدينة التي يرغب ولي العهد محمد بن سلمان في بنائها سيُطلق عليها اسم “ذا لاين”.

كل شيء مخطط له هناك، بما في ذلك استوديوهات السينما. يشتكي أحد المتحدثين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه: “ستصبح المنافسة معهم غير عادلة لأن السعودية رسميا تعتبر بلدا صديقا. يعلن السعوديون عن استرداد النفقات بنسبة 40٪، ولكن في الواقع قد يقومون بتعويض 100٪ من تكاليف التصوير التي تمت في بلدهم. بالنسبة لهم المال ليس مهما. كل ما يهم هو تسويق صورة البلاد على الساحة الدولية”.

ربح رمزي

  يضطر المغرب لتقديم حوافز مالية لتشجيع الاستثمار كما يفعل جميع البلدان بدرجات مختلفة: تخفيضات ضريبية، توفير مجاني لبعض الخدمات التي يقدمها الجيش للمنتجين السينمائيين الأجانب، وصولا إلى إقرار خصم نقدي بدأ في 2018 بنسبة 20٪ و وصل بعد أربع سنوات إلى 30٪.

إلى أين ستصل هذه المساومة؟ يجيب الاقتصادي نجيب أقصبي: “من خلال تقديم تحفيزات مالية للمنتجين الأجانب، قد ينتهي المطاف بالمغرب بدفع الثمن من جيبه للحفاظ على حصته في السوق. في الواقع إن الربح الرمزي ليس أقل شأنا من الاقتصادي. الأمر يتعلق بتعزيز مكانة البلاد في الأوساط الاقتصادية الدولية باستخدام القوة الإعلامية لهوليوود”.

السينما سلاح المغرب في حرب التجارة العالمية

في هذه الحرب التجارية العالمية يتم استغلال السينما المغربية. “مكانة المرأة والمثلية الجنسية ومكافحة الإسلاميين المتشددين…نُظهر للغرب أن المغرب بلد منفتح” يؤكد السعيدي، الذي يفضل عدم العودة إلى واقعة “ماتش لوفد” (2015)، فيلم المخرج نبيل عيوش حول عوالم الدعارة بمراكش، الذي تم منعه من العرض في المغرب تحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد وصل الأمر إلى حد تصوير مشاهد جنسية خلال رمضان! يُطلب فقط من الفنيين المغاربة مغادرة البلاطو. ويستشهد بفيلم Le Bleu du caftan  “القفطان الأزرق”الفيلم المغربي الفرنسي لمريم توزاني الذي يروي قصة حب مثلي بين حرفي من سلا وموظفه، والذي تم اختياره لتمثيل المغرب في مسابقة الأوسكار لعام 2023.

مستندا إلى هذه العوامل لا يشعر السعيدي بأي قلق “100 مليون يورو التي تم تحقيقها من مصاريف الإنتاج الأجنبي في 2022 هي مجرد بداية. هدفنا هو البلوغ السريع لـ 300 مليون يورو مستثمرة في المغرب بفضل الإنتاجات القادمة من الخارج”.

ومع ذلك، يمكن أن تهدد ظاهرة أخرى طموحات المركز السينمائي المغرب: التطور التكنولوجي. “المملكة المتحدة تقوم بتجهيز استوديوهاتها بشاشات خضراء بسعة ضخمة جدا” يحذر المنتج كريم الدباغ، الذي تابع قائلا: “بضغط قليل على الزر يمكنهم استنساخ جميع الكثبان الرملية والقصور والواحات المغربية على هذه الشاشات…” مما يعني في الأخير نهاية “وارزاوود”…

استيودوهات وارزازات (الجزء الأول) – البهجة24

استيودوهات وارزازات (الجزء الثاني) – البهجة24

Monde Diplomatique N833 Aout 2023 (1)