سحب مشروع قانون تجنيس الصحراويين يسقط دعم أطروحة بوليساريو بإسبانيا
مدريد - سحب تحالف "سومار" اليساري، الذي أسسته الشيوعية السابقة يولاندا دياز (وزيرة الشغل حاليا في إسبانيا)، مشروع قانون مثير للجدل ينص على منح الجنسية الإسبانية للمواطنين المولودين بالصحراء المغربية إبان الاستعمار الإسباني، أي قبل خروجه في 26 فبراير من سنة 1976، لينظم بذلك إلى الأحزاب التي ترفض هذا القانون، وهو ما يشير إلى سقوط دعم أحزاب اليسار الإسبانية لجبهة بوليساريو.
وكان حزب يولاند دياز قد تقدم بهذا المقترح في 30 نوفمبر 2023، وتم أخذ هذا المقترح بعين الاعتبار من طرف البرلمان الإسباني، لكن الحزب قرر سحبه دون تقديم أي توضيحات بشأن ذلك، حيث أن المقترح لا يتعلق فقط بمنح الجنسية للمولودين في الفترة الاستعمارية الإسبانية للصحراء فقط، بل أيضا لأبنائهم وأحفادهم، مع سحبه من طرف تحالف اليسار "سومار"، وهو ما يعني أنه لن تتم مناقشته في المستقبل.
واعتمد تحالف "سومار" في حملته السياسية في الانتخابات العامة التي شهدتها إسبانيا في 27 يوليو الماضي، على العديد من الشعارات الداعمة لجبهة البوليساريو، ووعد بالتراجع عن دعم إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لحل نزاع الصحراء في حالة فوزه بالانتخابات وتولي “يولاندا دياز” رئاسة الحكومة.
وكانت جبهة بوليساريو الانفصالية ومنتمون إليها في إسبانيا قد روجوا، بشكل واسع، مشروع القانون المقدم من طرف “تيش سيدي”، النائبة البرلمانية من أصل صحراوي، على اعتبار أنه يهدف إلى منح الجنسية الإسبانية بحكم الأمر الواقع لجميع الصحراويين، كنوع من الاعتراف بالبصمة الإسبانية خلال الاستعمار.
وفي عام 2022، صوّت حزب العمال الاشتراكي، الذي يقود الحكومة برئاسة بيدرو سانشيز، ضد مشروع القانون، قبل أن يعيده، في فبراير 2023، ائتلاف اليسار المتطرف ردا على الاجتماع رفيع المستوى الأخير بين المغرب وإسبانيا المنعقد في 2 فبراير 2023 بالرباط.
وفي تطور للأحداث، طلب ائتلاف سومار اليساري المتطرف سحب مشروع القانون الذي قدمه إلى مجلس النواب الإسباني، دون توضيح قراره الجديد؛ ما فسّره مراقبون بأنه تغيّر فرضته العلاقات الجديدة التي تجمع بين المغرب وإسبانيا، لاسيما أن “سومار” بات يشكّل جزءا من الحكومة الإسبانية الحالية.
وأكد نوفل بوعمري، المحامي والخبير في قضية الصحراء المغربية، أن “من بين أسباب سحب هذا القانون نشاط الشبكة الإجرامية التي تم ضبطها في إسبانيا والتي تقوم ببيع وثائق وهويات مزورة لأشخاص من مخيمات تندوف يتم استغلالهم قصد حصولهم على أوراق إقامة إسبانية، وهي الشبكة التي كشف الأمن الإسباني ارتباطها بعناصر قيادية داخل جبهة بوليساريو الانفصالية، مما أحرج حزب سومار الذي كان يريد تجنيس الصحراويين في إطار عملية سياسية ودفعه للقيام بسحبه".
ولفت في تصريح لـ”العرب”، أن “منح الجنسية الإسبانية لا يمكن أن يتم بشكل منسجم مع تركيبة المجتمع الصحراوي دون انخراط شيوخ تحديد الهوية المقيمين بالأقاليم الصحراوية، تجنبا لأي استغلال سياسي وإجرامي لهذه العملية برمتها".
وأوضح نوفل بوعمري، أن “تمرير القانون كان سيؤدي إلى حصول أشخاص لا ارتباط لهم بالمخيمات ولا بالنزاع المفتعل على الجنسية الإسبانية مما شكل فضيحة أخلاقية لهذه الشبكة ولداعمي هذا القانون، والجانب الثاني سياسي مرتبط بالحكومة الإسبانية التي لن تغامر بأي شيء قد يؤدي إلى تأزيم العلاقة مع المغرب خاصة منها السياسية والاقتصادية التي ستنتعش بفضل المشروع الملكي للمحيط الأطلسي وكذلك المتعلقة بالشركات الإسبانية التي تريد العودة إلى المياه الإقليمية المغربية بالجنوب، كل هذه العوامل أدت إلى ممارسة ضغط أخلاقي وسياسي واقتصادي على هذا الحزب اليساري الراديكالي”، مشددا على أن “تحفظ نواب الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني على القانون، يعكس وعي الحزب بالمخاطر التي تحيط بهذه الإجراءات وانعكاساتها الدبلوماسية، خاصة في حال تم استغلالها للإضرار بالثقة الموجودة بين المغرب وإسبانيا".
ويقف القضاء الإسباني ضد منح الجنسية لأفراد من الصحراء المغربية في بعض القضايا، باعتبار أن الصحراء ليست أرضا إسبانية، وما جرى لا يتعدى كونه فترة استعمارية انتهت عام 1976، وقد رفضت المحاكم الإسبانية الاعتراف بكل الدعاوى التي يرفعها النشطاء الانفصاليون بداعي عدم اعتراف مدريد بالوثائق التي تسلمها ما تسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
وسبق للمحكمة العليا أن حكمت بأن الأشخاص المولودين في الصحراء عندما كانت تحت الاستعمار الاسباني، لا يحق لهم الحصول على الجنسية الإسبانية كإسبان أصليين، واعتبرت أن الصحراء التي كانت تحت الاستعمار الإسباني لا يمكن اعتبارها أنها كانت “أرضا وطنية”، مشيرة إلى أنه “لا يمكن اعتبار الصحراء إسبانية للحصول على جنسية المنشأ وفقا للمادة 17.1.c من القانون المدني".
وأفاد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح، أن “القانون كان مرتبطا بفترة حملة انتخابية سابقة لأوانها، حيث عملت بعض الأحزاب على استغلال ملف الصحراء لاستدرار عطف الناخبين، وفي هذا الإطار تم توظيف الملف المذكور من قبل بعض الأحزاب الإسبانية اليسارية الراديكالية التي تتبنى مسألة الصحراء من منطلقات أيديولوجية تعود إلى فترة الحرب الباردة". وشدد محمد سالم عبدالفتاح، في تصريح لـ"العرب"، على أن “الطرح المعتدل، الذي تبناه الحزب الاشتراكي في إسبانيا، هو المهيمن على الخريطة السياسية فيما يخص العلاقة مع المملكة المغربية”، لافتا إلى أن “الحزب الاشتراكي يتمسك بالشراكة الإستراتيجية مع المغرب ويرفض أي تشويش على هذا المعطى الهام”.
وكان البرلمان الإسباني، قد صادق في فبراير من العام الماضي، على قانون بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين الذين ولدوا في فترة السيادة الإسبانية على الصحراء المغربية، حيث نال القانون الذي تقدم به حزب بوديموس الداعم لجبهة البوليساريو، 168 مساندا، ومعارضة 118 من حزب العمال الاشتراكي الذي يقوده رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز”.
ولا يتعلق القانون بمنح الجنسية للمولودين في الفترة الاستعمارية الإسبانية للصحراء فقط، بل أيضا لأبناء وأحفادهم، لكن بسحب المقترح من طرف الحزب الذي تقدم به، يعني أن المقترح لن يتم مناقشته في المستقبل. وسبق لحزب العمال الاشتراكي الذي يقود الحكومة الإسبانية، أن تصدى لمشروع القانون، حيث رفضه عندما تقدم به حزب “يونيداس بوديموس”، خلال الفترة التي أعلنت فيها مدريد دعم مبادرة الحكم الذاتي.
ويبدو من خلال قرار “سومار” سحب مشروع قانون تجنيس الصحراويين استمرار تخلّي الأحزاب السياسية الإسبانية عن دعم أطروحة “البوليساريو” الانفصالية. وكانت يولاندا دياز، التي عُرفت طيلة الفترة التي سبقت الانتخابات العامة بإسبانيا بدعمها لأطروحة “تقرير المصير” بالصحراء المغربية، تخلّت في وثيقة اتفاق رسمي لتشكيل حكومة مع الحزب الذي يقوده بيدرو سانشيز عن دعم بوليساريو.
وفي وقت سابق، انتقد عبدالله عرابي، مندوب الجبهة الانفصالية بإسبانيا، الائتلاف اليساري الإسباني “سومار” بسبب ما وصفها بـ”الفرصة التاريخية التي أضاعها، بعدم تضمين اتفاق تشكيل الحكومة مع الحزب الاشتراكي العمالي “العودة إلى الموقف التقليدي في ما يتعلق بالصحراء”، أي سحب تأييد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.