استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الأول)
عبد الرحمان البصري
لم تعد وارزازات تستقطب المنتجين السينمائيين العالميين كما كانت من قبل. بعدما كانت تُصور فيها 10 أفلام بشكل متزامن، يصور بها حاليا بالكاد فيلم أو اثنان. أما الفنادق التي كانت ممتلئة عن آخرها، فإن العديد منها أغلقت أبوابها تباعا.
فلم تكد تتعافى من تداعيات جائحة كوفيد، حتى اندلعت الحرب في أوكرانيا. ورغم أن شركات الإنتاج صرفت 100 مليون يورو، خلال 2022، على تصوير أفلامها بـ”وارزاوود”، فإن المشهد يصبح قاتما يوما بعد آخر.
وإذا كان المغرب حسم المنافسة لصالحه في مواجهة تونس وجنوب إفريقيا، فإن منافسين أقوياء يستعدون لاختراق هذه السوق، خاصة السعودية، التي تشيّد استوديوهات بقلب الصحراء في مدينتها المستقبلية “ذا لاين”.
“كان يا مكان..الإلدورادو المغربي” عنوان تحقيق صحفي مثير حول استوديوهات وارزازات نشرته صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”، في عددها لشهر غشت الجاري، استطلع فيه “بيير دوم” Pierre Daum، مبعوثها الخاص للمغرب، آراء مسؤولين في القطاع ومهنيين وجامعيين، قبل أن يخلص إلى دق ناقوس الخطر حول الأخطار المحدقة بـ” إلدورادو المغرب”، رغم المؤهلات الطبيعية والتحفيزات الحكومية وتدني أجور العمالة.
“البهجة24” ترجمت التحقيق بتصرف وتنشره في ثلاثة أجزاء.
هوليود أرخص في المغرب
في ورزازات مراكش أو الدار البيضاء، أجر الكومبارس لا يتعدى 2 أورو للساعة. التقنيون غير منتسبين لأي نقابة. قرى رائعة تُستعمل كديكور بمبالغ زهيدة. الدولة تكفل الأمن. والحوافز المالية تنزل كالمطر. النتيجة: السينما المحلية أصبحت مقاولا مناولا sous-traitant للغرب. ولكن هل تعيش هذه القوة الناعمة المغربية آخر أيامها؟
الحمى ترتفع في ورزازات، بوابة الصحراء المغربية. ريدلي سكوت (85 سنة)، مخرج و سيناريست ومنتج بريطاني- أمريكي، أعلن عودته إلى القرية المحصنة (القصر) “آيت بن حدو”، على بعد 30 كيلومترا من المدينة.
في هذا المكان المصنف تراثا عالميا من لدن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، قرر المخرج البريطاني/ الأمريكي إنهاء تصوير فيلمه المشهور “المصارع” 2000 Gladiator .
في هذا الديكور المكون من حصي ذات اللون الأمغر، في هذا المكان الذي يعلو فيه الغبار، يقاتل الحفارون والعمال الصخر لبناء ساحة ضخمة من الورق المقوى، والتي ستشهد معارك رومانية عنيفة. المخرج يطمح لاستنساخ مدرج روماني عملاق (الكولوسيوم).
في أزقة القصر، غير بعيد عن موقع البناء، التجار يظلون حذرين. كم من الأيام سيضطرون لإقفال محلاتهم؟ لا أحد يعلم. كم سيبلغ مقدار التعويض؟ 500 درهم في اليوم للبعض؟ 1000 أو 1500 للآخرين؟
يشرح عزيز، وهو رسام شاب عصامي يأمل أن يعوض بـ1000 درهم كثمن لواحدة من لوحاته التي يستعمل في رسمها الشاي والزعفران المحليين. “في كل الأحوال إذا رفضت إغلاق متجري، ستأتي الشرطة، وسأواجه عدة مشاكل لعدم توفري على رمز ضريبي. آلاف الكومبارس سيقبلون العمل. سيدفعون لهم سعرا ثابتا بالكاد يبلغ 300 درهم (27 يورو) لمدة 11 ساعة في اليوم”. للمقارنة فقط، بفرنسا الكومبارس يتلقى 105 يورو صافية مقابل العمل 8 ساعات يوميا.
يقول حميد آيت تيماغريت، من مواليد وارززات، “بمجرد أن يعلم الناس أني المسؤول عن العمالة بالنسبة لـ”المصارع” الجديد، سيرنّ هاتفي ليل نهار مع أنه لن يتوفر العمل للجميع. مع الوقت أصبحت أتوفر على قاعدة بيانات لآلاف الأشخاص مع الصور والعناوين، وحتى الحجم، وإذا كان الشخص منضبطا أو العكس، وإذا كان يشرب الكحول أم لا”.
“وارززات..المدينة الميتة”
لا يبدو أن احتمالية تصوير فيلم كبير تسعد كثيرا محاورنا، الذي يشده الحنين إلى الفترة التي كان فيها الإقبال على ورزازات لتصوير الأفلام كبيرا. “لو رأيت ورزازات بين 1990 و2000 لكنت ستندهش حقا. في تلك الفترة، كانت تصور 8، 9 إلى 10 أفلام في وقت متزامن. كانت الفنادق ممتلئة عن آخرها. انظر حولك الآن، وارززات مدينة ميتة، بالكاد يصور بها فيلم أو اثنان فقط. بعد وباء كوفيد ـ 19، الآن هناك الحرب في أوكرانيا، لا توجد أموال”. ثم يقوم بتعداد فنادق المدينة التي أغلقت أبوابها مثل Le Belere، “النخيل”، “رياض السلام”…
ولكن هل سيشكل تصوير فيلم “المصارع 2″ الشعلة التي ستمكن من تصوير العديد من الأفلام خلال الوقت نفسه كما في الماضي؟ المنتج أحمد أبو النعوم الملقب بـ”Jimmy” ، يعتقد عكس ذلك. بالنسبة له عملٌ بهذا الحجم سيملأ جميع الفنادق وسيستحوذ على جميع الفنيين، وهو ما سيترتب عنه أن المشاريع الأخرى ستختار أماكن أخرى في بلدان منافسة للتصوير .
بلد الديكورات المتنوعة والطبيعية
“المصارع 2” ليس أول فيلم يصور في قصر آيت بنحدو. فهذه القرية، المبنية بطوب هو مزيج من الطين والتبن، شكلت ديكورا للعديد من الأفلام “Laurence d’Arabie”، “Tuer n’est pas jouer”،Indiana Jones3” وعدد لا يحصى من الإنتاجات الضخمة الأمريكية والايطالية. الحضور إلى المنطقة كان قويا لدرجة أن سكان القرية اليوم انتقلوا إلى الجانب الآخر من الوادي .
قرية آيت بن حدو ليست استثناءً. منذ أربعين سنة، كل مناطق وارزازات أصبحت قبلة لتصوير أفلام ضخمة من جميع أنحاء العالم. لماذا هذا الإقبال على هذه المنطقة؟ “ليست هناك منطقة في العالم بمثل هذه الديكورات المتنوعة والطبيعية”يجيب جميع مهنيي السينما.
يقول أحمد أبو النعوم/ Jimmy “ضمن دائرة نصف قطرها يبلغ 100 كلم حول وارززات، ستجدون واحات، قرى قديمة جدا، جبالا، ثلوجا، تلالا، صحارى من الحجارة، الأنهار، البحر… مع إضاءة استثنائية وعلى بعد ساعتين بالطائرة من لندن أو باريس.”
ثم يستطرد: “إذا كنت بحاجة لرياض لتصوير ألف ليلة و ليلة ستجده بمراكش، التي تبعد فقط بمائتي كيلومتر، أما إذا كانت ثمة مشاهد يُفترض أن تجري بمدينة أوروبية فيمكن تصويرها بالدار البيضاء، حيث يقدّم حي السوق المركزي، بالقرب من المدينة القديمة، مجموعة متنوعة غير عادية من الواجهات التي يعود تاريخها للحقبة الاستعمارية. أضف إلى ذلك الكومبارس. الناس هنا مجموعة متنوعة من الوجوه تتوافق مع أولئك الذين عاشوا خلال فترة الكتاب المقدس أو حتى روما القديمة”.
البلد الآمن
سبب آخر لهذا الإقبال على المغرب: الأمن. يقول عبد الإله هلال، مدير المدرسة العليا للسمعي البصري بمراكش، “إن أجمل المناظر الصحراوية توجد بالجزائر أو بليبيا، لكن ينقصهم الأمن. جميع الأجانب يقولون إننا لا نشعر بالخوف في المغرب”.
كيف يتحقق ذلك؟ رجال الدرك يقومون بالمراقبة في جميع طرقات البلاد، وضباط شرطة باللباس المدني في كل مدينة على استعداد للتدخل إذا قام أي مغربي بإزعاج سائح.
تحفيزات حكومية
لمواجهة المنافسة الأجنبية، فإن الحكومة تتدخل على نطاق واسع من أجل جعل وجهة المغرب أكثر جاذبية: الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة ومساهمات الضمان الاجتماعي، التخفيضات الممنوحة من قبل الخطوط الملكية المغربية، تسهيل الإجراءات الإدارية… بالإضافة إلى ذاك نحن من البلدان القليلة التي تسمح بأن يقدم الجيش بعض الخدمات لمنتجي الأفلام و بسعر رمزي” يقول خالد السعيدي، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، وهي المؤسسة العمومية المسؤولة عن دعم السينما الوطنية وإدارة التصوير الأجنبي.
ثم أضاف:” حتى إننا نسمح بدخول أسلحة حرب حقيقية”. عندما طلب منتج الجزء الخامس من فيلم “المهمة المستحيلة” الإغلاق التام للطريق السريع بين مراكش وأكَادير تم له ذلك على حساب المستخدمين المغاربة.