استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الثاني)

استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الثاني)

عبد الرحمان البصري

  “كان يا مكان..الإلدورادو المغربي” عنوان تحقيق صحفي مثير حول استوديوهات وارزازات نشرته صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”، في عددها لشهر غشت الجاري، استطلع فيه “بيير دوم” Pierre Daum، مبعوثها الخاص للمغرب، آراء مسؤولين في القطاع ومهنيين وجامعيين، قبل أن يخلص إلى دق ناقوس الخطر حول الأخطار المحدقة بـ” إلدورادو المغرب”.

 في الجزء الأول، تناول التحقيق السعر المتدني للعمالة في وارزازات، فالكومبارس يتقاضون بالكاد 300 درهم يوميا، فيما يتلقون 105 يورو بفرنسا مقابل ساعات أقل من العمل.

  في “وارزاوود” الديكورات متنوعة وطبيعية. المغرب بلد آمن ومستقر، و التحفيزات الحكومية فيه مغرية للمنتجين الأجانب.

  تواصل “البهجة24” ترجمة التحقيق بتصرف وتنشر اليوم الجزء الثاني منه.

 

 شركات الإنتاج أنفقت 100 مليون يورو

   تسهيلات الحكومة المغربية أثمرت أرقاما مشجعة. “بالنسبة لسنة 2022 وصل إنفاق تصوير الأفلام الأجنبية بالمغرب إلى 100 مليون يورو” يقول خالد السعيدي بفخر، ويضيف المدير العام للمركز السينمائي المغربي:”هكذا تجاوزنا الرقم المسجل سنة 2019 وهو 80 مليون يورو”.

بالرغم من أن هذه الـ 100 مليون يورو لا تمثل سوى 4% من الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكنها تبقى جيدة بالنسبة لوارزازات، المنطقة المعروفة بأراضيها القاحلة، و بالنسبة لجهة درعة ـ تافيلالت، بمدينتيها الرئيسيتين الراشيدية ووارزازات، اللتين تعاني واحاتهما من فقر مدقع وتنضحان بالبؤس.

التلاميذ بوزراتهم البيضاء يقطعون عدة كيلومترات مشيا على الأقدام للوصول إلى مدارسهم. يتسولون بضعة دراهم من أي أجنبي يتوقف بسيارته لتوصيلهم. وعلى طول الطريق ترى النساء وقد انحنت ظهورهن تحت حُزَم خشب الطهي.

“هذه منطقة غير ساحلية”، يؤكد مصطفى الرهج، باحث في الهندسة الزراعية الاجتماعية في المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، “خلال الفترة الاستعمارية أطلق عليها الفرنسيون اسم المغرب غير النافع، و بعد الاستقلال جاء فيلكس مورا إلى المنطقة لتجنيد أذرُع للعمل في مناجم الفحم بشمال فرنسا. صحيح أن الإنتاجات الأجنبية تجلب القليل من المال للسكان، ولكنه دخل غير منتظم ولا يوقف هجرة الشباب الذين يعد وجودهم ضروريا  لبقاء الواحات، فهم الوحيدون القادرون على الصعود إلى قمة النخيل من أجل تلقيحها. تخلي الشباب عن الواحات يجعلها تفتقر ليد عاملة خبيرة” يضيف الباحث نفسه.

كومبارس الإسلاميين الأشرار

  أثناء زيارتنا صادفنا تصويرا يجري في “فينت”، الواحة الرائعة الواقعة على بعد عشرين كيلومترا جنوب وارزازات. إنه إعادة إنتاج لفيلم “أجرة الخوف” (إخراج هنري جورج كلوزو في سنة 1953) مع إضافة مشهد هجوم على معسكر جهادي.

منذ تدمير برجي التجارة العالميتين في نيويورك، سنة2001، يتم استخدام الكومبارس المغاربة، بشكل واسع، لأداء أدوار الإسلاميين الأشرار سواء كانوا أفغانا، عراقيين، باكستانيين، سوريين، أو من جنسيات أخرى.

سكان محليون لا يطالبون بكثير من المال

  “واحتنا تحظى بتقدير المنتجين”، يشرح محمد باعدي بينما يأخذنا في جولة بقريته. “بابل (إخراج اليخاندرو غونزاليس إينياريتو في سنة 2006)، “ملكة  الصحراء” (فيرنر هرتسوغ في سنة 2015)،”يسوع الناصري (فرانكو زيفيريلي في سنة 1977) … كل هذه الأفلام صُوّرت هنا”.

من بين مائة عائلة في الواحة، فقط خمس عائلات تمتلك سيارة. العديد من المنازل توجد في حالة خراب، “لكن المنتجين يحبون ذلك، من أجل مشاهد الحرب”.

منزل باعدي واسع و مؤثث بشكل متواضع جدا. العمل صعب.إصلاح المنازل، العناية بالنخيل والمحافظة على نظام الري، “عندما يكون هناك تصوير ننظّم العمل بيننا بالمناوبة حتى تتمكن كل عائلة من العمل قليلا، إما ككومبارس مقابل 300 درهم يوميا، أو كعمال مقابل 200 درهم”.

هل يحسن المنتجون الأجانب تقدير جمال المكان، الذي هو نتاج عمل قام به أجيال من القرويين على مدى قرون؟ “عندما تكون واحتنا هي الخلفية لمشهد، يتبرعون بـ300 درهم لإحدى الجمعيات النسائية. أما إذا تم التصوير في قطعة أرض فإن مالكها يحصل على 3000 درهم. على العموم لا يطالب القرويون بكثير من المال، وهذا هو السبب في عودة الإنتاجات”. يقول باعدي

“تيشرتات في بنغلاديش وأفلام في المغرب”

   منذ أكثر من أربعين عاما، منذ أن تساقطت “أمطار الدولارات” على  ورزازات ، لا تزال درعة-تافيلالت ،على الرغم من ذلك، هي الأكثر فقرا بين الجهات الـ12 بالمغرب، حيث إن الناتج الداخلي الخام السنوي للفرد لا يتجاوز 18000 درهم، وهو ناتج يزيد قليلا عن نصف المعدل الوطني.

“يقول لك الأجانب إنهم يأتون لتصوير الأفلام بسبب الضوء وجمال الطبيعة، لكن هذه الأشياء موجودة في الولايات المتحدة أيضا!” يؤكد نجيب أقصبي، الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة بالرباط، ويتابع: “في الواقع يأتون هنا لتحقيق أقصى قدر من تخفيض تكاليف الإنتاج، خاصة تكاليف العمال: الكومبارس، الخياطون، النجارون، الجباسون، وفنيو الإضاءة والتصوير”.

ثم يضيف:”ينتمي قطاع الصناعة السينمائية مثل قطاع النسيج إلى صناعات اليد العاملة الكثيفة. من أجل تحقيق أقصى قدر من الأرباح، يتم تصنيع القمصان “التيشرتات” في البنغلاديش، والهواتف المحمولة في الفيتنام، والأفلام في المغرب”. ويستطرد:” إذا تم تحديد الحد الأدنى للأجور بشكل رسمي بقيمة 3000 درهم شهريا فإن هذا يبقى افتراضيا للغاية، نظرا لأن 54 % من العاملين يعملون بدون عقد” الأجر الفعلي للبنّاء في المغرب هو من 1500 إلى 2000 درهم عندما يكون له عمل. من هذا المنطلق نفهم أن السكان المحليين يكافحون من أجل الحصول على عمل في تصوير الأفلام ، تماما كما كان أجدادهم يكافحون ليختارهم مورا للذهاب للعمل في المناجم بشمال فرنسا.

“الاستعلاء الاستعماري للمنتجين الفرنسيين”

  لا يتصرف جميع المنتجين الأجانب بالطريقة نفسها مع سكان “وارزاوود”. “أسوأهم هم الفرنسيون” يقول كريم الدباغ، منتج سينمائي مغربي، ثم يوضح: “بالنسبة للأمريكيين السينما هي بيزنس(business). يدفعون الدولارات ويطالبون بالخدمة. أما بالنسبة للفرنسيين فيعتبرون أنفسهم فنانين كبار بمشروع يجب على الجميع المشاركة فيه احتراما للفن. ونظرا لأنهم يعانون دائما من نقص في الأموال، فإنهم يبحثون عن جمع الدراهم على حساب السكان المحليين، بشكل أشبه بالاستعلاء الاستعماري”.

“مغرب غير نافع”

  يمكن تصحيح القسوة التي يتعامل بها المنتجون الأجانب مع سكان درعة – تافيلالت من خلال سياسة تنموية من المقرر أن تشرع الحكومة المغربية في تنفيذها. لكن ليس هذا ما يحدث في الواقع. “في المغرب نحن أقوياء جدا فيما يتعلق بالبنيات التحتية الزائفة، التي تهدف إلى إبهار المستثمرين الأجانب والسياح” يقول نجيب أقصبي، الذي تابع:”خذوا كمثال على ذلك طرقنا السريعة الرائعة. من بين شبكة طولها 1800كيلومتر، 1000 كيلومتر لا تحقق أرباحا. أحيانا تقود لمدة نصف ساعة دون أن تصادف سيارة واحدة. الأمر نفسه بالنسبة لقطارنا فائق السرعة الرابط بين طنجة والدار البيضاء، إنه مشروع غير منطقي من الناحية الاقتصادية. وفي نفس الوقت لا يوجد خط قطار أو طريق سريع باتجاه ورزازات. نحن لا نزال في إطار العقلية الاستعمارية “المغرب غير النافع”…”.

“الأسوأ من ذلك، أنه في إطار مخطط المغرب الأخضر، الذي تم إطلاقه في 2008، دعمت الحكومة إنشاء مساحات واسعة من النخيل من خلال شركات فلاحية، بعضها تساهم فيها رساميل من أوربا، حيث استحوذت هذه الشركات على جزء كبير من المياه المتاحة، مما أدى إلى خفض مستوى المياه الضرورية للواحات التقليدية” يشرح المهندس الزراعي أحمد بوعزيز، أستاذ متقاعد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، والمنحدر من تافيلالت.

استيودوهات وارزازات مهددة بالإغلاق..هل تسرق منها السعودية الأضواء؟ (الجزء الأول) – البهجة24

Monde Diplomatique N833 Aout 2023 (1)