المناطيد السياحية بضواحي مراكش..مشاهير يحلّقون فوق أفقر قرية

المناطيد السياحية بضواحي مراكش..مشاهير يحلّقون فوق أفقر قرية

عبد الرحمان البصري

   يشتكي مجموعة من سكان جماعة “بورّوس”، في أقصى جنوب إقليم الرحامنة، من الإزعاج الذي تتسبب فيه شركات المناطيد السياحية وهي تستعد لإطلاق “بالوناتها” فجرا، وانتهاكها حرمات منازلهم أثناء التحليق، وإضرارها بحقولهم وهي تحط بها، فيما صرّح آخرون بأن الشركات تشغّلهم وتقوم بأعمال خيرية لفائدتهم.

  أما المجلس الجماعي فيؤكد بأن الجماعة لا تستخلص أي مداخيل عن الأنشطة التي تقوم بها الشركات المذكورة بمجالها الترابي، في الوقت الذي يجزم فيه مصدر مسؤول بأن المراقبة لا تتولاها أي جهة محليا و إقليميا.   

  في هذا الاستطلاع تميط “البهجة24” اللثام عن نشاط سياحي لمناطيد تحلّق فوق قرية من أفقر الجماعات، وتكشف عن الجهات الموكل إليها الترخيص لهذه الشركات، ومراقبة مدى احترامها لمعايير الجودة و السلامة.

2050 درهما للسائح عن كل ساعة تحليق

  ابتداءً من الرابعة فجرا تنطلق رحلة التحليق لمشاهدة الشمس وهي تشرق بضواحي مراكش. من تراب جماعة “بورّوس” يرتفع المنطاد ألف متر. يؤدي كل سائح 2050 درهما عن كل ساعة. قد ينخفض السعر قليلا، في إطار العروض التي تقدمها الشركات للمتعاملين معها من وكالات أسفار وفنادق. زبناء المناطيد عيارهم ثقيل.هم غالبا إما رجال أعمال أو مشاهير فن و رياضة.

“بورّوس”، التي لا تبعد عن “الملعب الكبير” سوى بـ13 كلم، هي المنطقة الوحيدة في المغرب القابلة لتحليق المناطيد على طول السنة. المهنيون يؤكدون بأن الرياح هنا مواتية لهذا النشاط السياحي.

أكثر من 10 شركات أصبحت تعمل في هذا القطاع، 3 منها يمتلكها مستثمرون أجانب (مصري، فرنسي، وبلجيكي). تكتري معظمها بقعا أرضية من السكان المحليين لإطلاق مناطيدها، وهي 5 أنواع حسب طاقتها الاستيعابية: أكبرها تتسع لـ32 سائحا وأصغرها لا تصلح سَعتها سوى لـ8 أشخاص، وبينهما مناطيد لـ12 و16 و24 سائحا.

ينتهي إطلاق المناطيد في حدود الـ10 صباحا. كل عملية إقلاع يشرف عليها طاقم من حوالي 28 عاملا وتقنيا. باستثناء التقنيين المتخصصين، تشغّل الشركات أكثر من 120 عاملا مياوما و رسميا محليا. يتقاضى المياوم 100 درهم عن كل يوم عمل، أما الرسميون فتتراوح أجورهم بين 2000 و5000 درهم شهريا حسب المهام المنوطة بهم.

التحليق فوق أفقر قرية

  لم تعد قرية “بورّوس” كما كانت قبل عشرين سنة. هاجرها أغلب شبابها للعمل في الصناعة التقليدية بمراكش. الفلاحة السقوية التي كانت نشيطة على ضفاف وادي تانسيفت توقفت، والحقول تحولت إلى مقالع رمال، وصبيب الآبار تراجع بسبب الجفاف.

السوق الأسبوعي هنا صغير. يلتئم كل خميس سويعات قليلة ثم سرعان ما ينفضّ. يطلق عليه سكان المنطقة “لخميّس” كناية عن محدودية رواجه التجاري مقارنة مع الأسواق الكبرى بالإقليم: “ثلاثاء ابن جرير”، “أربعاء صخور الرحامنة”، “اثنين بوشان”، و”اثنين سيدي بوعثمان”.

الجماعة الترابية مواردها المالية محدودة. ميزانيتها السنوية تبلغ بالكاد حوالي 500 مليون سنتيم، 80% منها تقريبا تلتهمها أجور الموظفين.

انتهاك الحرمات

   تختار شركات المناطيد الفجر توقيتا للإقلاع للاستفادة من هدوء الجو واعتدال الطقس. تصل العشرات من السيارات المحمّلة بالعمال والسياح المغاربة والأجانب. تتعالى الجلبة والصياح خلال عمليات تعبئة “البالونات” العملاقة استعدادا لإطلاقها في السماء. يزعج هذا الصخب كثيرا الساكنة في الجوار.

“المسألة تتجاوز الإزعاج، إنه انتهاك للحرمات. المناطيد عند بداية الإقلاع تكون على علوّ منخفض. تحلّق مباشرة فوق منازلنا الطينية المكشوفة، بينما ركابها يحملون كاميرات ويطلقون درونات تصور رحلاتهم وهم على متن المناطيد” يقول عبد الرحيم، أحد سكان “بورّوس”، ثم يستطرد:”الأمر أكثر إحراجا في الصيف، لأننا نبيت في البهو، وتضطر نساؤنا للنهوض مسرعات لتغيير مكان نومهن”.

هبوط “إضراري”

   إذا كانت الشركات تطلق مناطيدها من الأراضي التي اكترتها، فإنها لا تتحكم في مكان هبوطها، قد تحط في حقل كما يمكنها أن تهبط في مرعى للماشية، مما يؤدي إلى إتلاف المحاصيل الزراعية و الكلأ، خاصة وأنها تكون متبوعة بالعديد من السيارات رباعية الدفع لنقل السياح، وتتفاقم الخسائر أكثر حين يشرع العمال في جرّ المناطيد لجمعها.

الشركات تقوم بأعمال خيرية

  في المقابل، لسكان آخرين وجهة نظر مختلفة يعتبرون فيها بأن شركات المناطيد تساهم في تشغيل أبنائهم، وبأن أصحابها يقومون بأعمال خيرية لفائدة المنطقة، مستدلين على ذلك بحالة الشركة التي مولت حفر بئر، وتنظيم أخرى لحملة نظافة، و بقيام بعض الشركات بأعمال إنسانية وتقديمها مساعدات للسكان المحليين.

مسؤولة بشركة: علاقتنا بالسكان إنسانية قبل أن تكون مهنية

  مسؤولة بإحدى الشركات تقول إن شركتها نسجت علاقات قوية مع السكان المحليين، تجاوزت المجال المهني لتتحول إلى علاقة إنسانية بامتياز. و تابعت، في تصريح لـ”البهجة24″، بأن العمال معظمهم من أبناء المنطقة، و أصبحوا يتقنون جميع المهن المرتبطة بالمنطاد حتى التقنية منها.

طلبت المسؤولة إرسال جميع الأسئلة على “الواتساب” لتجيب عليها، ثم ما عادت ترد.

أكثر من شركة رفضت الرد، واستنكفت أخرى عن إبداء وجهة نظرها. ما إن يُثار مع مسؤوليها التشكي من الأضرار التي يخلفها نشاطهم، ومراقبة معايير الجودة والسلامة، حتى يلوذوا بالصمت أو يطلبون مهلة للإطلاع على الوثائق واستشارة إداراتها، قبل أن يقطعوا الاتصال.

الجماعة لا تستخلص أي مداخيل

  “لا نستخلص أي مداخيل على النشاط الذي تقوم به الشركات داخل المجال الترابي للجماعة، بل لا نتوفر على أي وثيقة متعلقة بها” يؤكد رحال الترتوري، النائب الثاني لرئيسة المجلس الجماعي، ثم أضاف، في تصريح أدلى به للجريدة، “لسنا الجهة التي ترخص لهذه الشركات بطيران المناطيد ولا بممارسة أنشطتها، ولكننا في المجلس الجماعي راسلنا العديد من الجهات إقليميا ملتمسين تدخلها من أجل أن تؤدي الشركات المعنية رسوما لفائدة الجماعة”.

مديرية الطيران المدني ترخص للمناطيد

المديرية العامة للطيران المدني هي الجهة المخول إليها مركزيا الترخيص بإحداث شركات المناطيد والسماح لها بالطيران، يؤكد مصدر مسؤول، ثم يوضح لـ”البهجة24″ بأن الطلبات يُبت فيها من لدن هذه المديرية، التابعة لوزارة النقل واللوجيستيك.

و تابع المصدر نفسه، الذي طلب عدم الإشارة إلى وظيفته، بأنه، في حالة الموافقة عليها، تحدد الرخصة منطقة الطيران، ثم تُرفق بطلب يُوجّه، هذه المرة، إلى ولاية الجهة من أجل إصدار رخصة أخرى بمزاولة نشاطها الترفيهي، وهي المهمة التي توكل إلى لجنة جهوية موسعة، تضم وزارة الداخلية، قيادتي الحاميتين العسكريتين بكل من مراكش وابن جرير، الأمن الوطني، الدرك الملكي، الوقاية المدنية، والقوات المساعدة…

مراقبة سنوية

   و عن الجهة التي تتولى مراقبة معايير الجودة ومدى تعهد الشركات بالالتزامات المتعلقة بسلامة الركاب، الذين يحلّقون على علو شاهق، أوضح مصدرنا بأن المديرية العامة للطيران المدني تقوم بمراقبة سنوية للمناطيد ومعاينة مدى جودة مكوناتها، و يتعلق الأمر بكل من “البالون”، و”السلة” التي تحمل الطيار والركاب، و “المحرك الرئيس” أو نظام المواقد.

أما محليا، فأكد المصدر ذاته بأنه ليست ثمة أي جهة تتولى المراقبة، وتكتفي الشركات بإشعار السلطة المحلية ببرنامج أنشطتها الأسبوعي، خاصة وأن المنطقة قريبة من الحاميتين العسكريتين بابن جرير ومراكش، اللتين تحوي كل منهما قاعدة جوية، إذ تتوقف أنشطة شركات المناطيد حين تُنظم مناورات أو تمارين عسكرية للإنزال الجوي.

المناطيد تطير وتهبط في “بورّوس”، والجماعة لا علم لها بنشاط الشركات، والإدارة الترابية محليا لا تتوفر بدورها على وثائقها، بينما السلطة الإقليمية لا تضطلع بمهام المراقبة، التي تتكلف بها لجنة من الرباط مرة كل سنة.تعدد الفاعلين وغياب المسؤولين المحددين عزاه المصدر إلى ما اعتبره “غيابا للقانون المنظم لأنشطة مثل هذه الشركات”.