المهندس عبد الرحيم مجتهد: التنمية الترابية المندمجة مدخل لإنهاء زمن مغرب السرعتين

المهندس عبد الرحيم مجتهد: التنمية الترابية المندمجة مدخل لإنهاء زمن مغرب السرعتين

المهندس عبد الرحيم مجتهد، الذي يدير، منذ سنة 2021، مكتبا للدراسات الهندسية بمراكش، يجر وراءه خبرة غنية ومسارا مهنيا طويلا يمتد لأكثر من ثلاثين سنة بمستويات مختلفة بالإدارة الترابية. فبعد تخرجه من المدرسة المحمدية للمهندسين، عمل مهندسا مكلفا بالسدود التلية بقسم الشؤون القروية بعمالة إقليم خريبكة، بين 1988 و1993، ثم رئيسا للقسم التقني بالعمالة نفسها، بين 1993 و2001.

وبين 2001 و2008 تقلد منصب رئيس لقسم التجهيز بإقليم وارزازات، الذي شغل به، أيضا، منسقا إقليميا لبرنامج منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف” بين 2001 و2003.

وشغل رئاسة خلية الاستثمار بعمالة إقليم بسليمان، بين 2008 و2010، قبل أن يُعيّن رئيسا لقسم التعمير والبيئة بعمالة إقليم الرحامنة بين 2010 و2012.

وبين 2012 و2016 تم تعيينه مهندسا رئيسا مكلفا بالمشاريع المتعثرة بعمالة المحمدية، التي شغل بها منصب رئيس قسم التعمير والبيئة بين 2016 و2021.

في هذا الحوار تفتح “البهجة24” مع مجتهد موضوع إطلاق جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية الترابية، إذ يلقي الضوء على الرؤية الملكية الداعية إلى تجاوز المقاربات القطاعية الكلاسيكية نحو رؤية مندمجة تراعي الخصوصيات المحلية وتستند إلى مبادئ العدالة المجالية والتضامن بين الجهات.

ورد في خطاب العرش مصطلح «التنمية الترابية المندمجة»..ماذا يعني ذلك من منظور هندسي؟

هو تصور يجعل كل مشروع مرتبطاً بغيره ضمن رؤية منسقة. فلا يمكن التفكير في مشروع فلاحي دون ربطه بالطرق، والتكوين المهني، وتمكين المرأة القروية، وحماية البيئة. التنمية المندمجة هي هندسة شمولية للمجال، تراعي الإنسان والمكان في آن واحد.

باعتباركم خبيرا ميدانيا اشتغلتم في قطاع التعمير والتنمية في عدة جهات من المملكة، كيف تنظرون إلى التوجهات الملكية الداعية إلى إطلاق جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية الترابية؟

الخطاب الملكي رسم إستراتيجية أو ملامح مرحلة جديدة في تدبير المجال الترابي. فقد دعا جلالة الملك إلى تجاوز المقاربات القطاعية الكلاسيكية نحو رؤية مندمجة تراعي الخصوصيات المحلية وتستند إلى مبادئ العدالة المجالية والتضامن بين الجهات. التنمية اليوم يجب أن تكون متوازنة وشاملة، بحيث يستفيد منها كل مواطن دون تمييز، من طنجة إلى الكويرة.

ما هي أبرز التحديات التي كانت تعيق التنمية الترابية بالمغرب؟

غياب التنسيق بين المؤسسات، وضعف المعطيات الترابية الدقيقة، ونقص الكفاءات المحلية المتخصصة. لذا يجب الاستثمار أولا في العنصر البشري، وفي التحول الرقمي لتبسيط المساطر وتعزيز الشفافية والمساءلة.

جلالة الملك تحدث عن ضرورة وضع حد لما سماه بـ «المغرب بسرعتين»..كيف يمكن ترجمة ذلك عمليا؟

يعني ذلك أن على الدولة أن تضمن نفس فرص الولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الأساسية لجميع المواطنين، سواء في المناطق الحضرية أو القروية، وفي مقدمتها الجهات الجبلية والصحراوية. العدالة المجالية تتطلب تخطيطا دقيقا واستثمارا منصفا، يقوم على معايير موضوعية وليس على منطق التفاوت الجغرافي.

كيف يمكن تحقيق التكامل بين الجهات في ظل تفاوت الإمكانيات؟

من خلال تفعيل مبدأ التضامن الجهوي الذي أكد عليه جلالة الملك، عبر آليات مالية وتشريعية تجعل التعاون بين الجهات قاعدة للتنمية، لا مجال فيها للتنافس غير المنتج. فالقوة الاقتصادية للجهات المتقدمة يجب أن تُسهم في دعم الجهات التي لا تزال في طور الإقلاع حيث يجب التذكير بأن الدستور المغربي ينص على أن التضامن بين الجهات مبدأ أساسي لتحقيق عدالة مجالية وتنمية متوازنة. ولتجسيد ذلك، أحدث الدستور صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات لدعم المناطق الأقل حظاً وتقليص الفوارق.

الخطاب الملكي دعا إلى تسريع وتيرة الإنجاز..كيف يمكن التوفيق بين السرعة وضمان الجودة؟

بفضل الرقمنة والحكامة الذكية. فالسرعة المطلوبة هي في الإنجاز المحكم، المبني على رؤية واضحة وتنسيق فعال، وليس في التسرع الذي يضر بالجودة. التكنولوجيا اليوم تمنحنا أدوات لتتبع دقيق وشفاف لكل مشروع تنموي.

كيف تنظرون إلى الدعوة الملكية بضرورة الاهتمام بالمناطق الجبلية والواحات والساحل ؟

هذه المناطق تشكل ثروة وطنية طبيعية وثقافية. تطويرها يجب أن يتم عبر مقاربات تحترم بيئتها الهشة وتستثمر في مؤهلاتها السياحية والفلاحية. كما أن تثمين الساحل الوطني ينبغي أن يتم في إطار قانوني وتنموي يوازن بين الاستثمار والحفاظ على البيئة.

الخطاب الملكي تطرق إلى برنامج تطوير المراكز القروية الناشئة.. ما أهمية ذلك في التنمية الترابية المندمجة؟

هو مشروع استراتيجي لتخفيف الضغط عن المدن الكبرى وتنظيم التوسع العمراني. هذه المراكز يمكن أن تصبح محركات اقتصادية محلية، شريطة توفير البنيات والخدمات التي تشجع على الاستقرار والعمل.

كيف تندرج الأقاليم الجنوبية ضمن هذه الرؤية الوطنية للتنمية الترابية المندمجة؟

الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كما اقترحه جلالة الملك، هو تجسيد عملي للتنمية المندمجة واللامركزية المتقدمة. النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية برهن على نجاح مقاربة تجمع بين تثبيت الهوية الوطنية وتنمية الإنسان والمجال. فهو يقدم مثالاً على كيفية توطين القرار التنموي محلياً في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة.

كيف ترون مستقبل التنمية الترابية بالمغرب؟

المغرب يسير بثبات نحو نموذج تنموي متوازن، يقوم على رؤية ملكية واضحة، والتي هي رؤية شاملة لمغرب الغد، وعلى إشراك كل الفاعلين في مسلسل البناء. مستقبل التنمية بالمملكة يمر عبر العدالة المجالية، والحكامة الجيدة، وتثمين الخصوصيات المحلية تحت مظلة الوحدة الوطنية والسيادة المغربية الكاملة من طنجة إلى الكويرة.